قال و عيناه تتسعان:- ليس وقت هذا الكلام
قلـت و أنا أرفع يده لأضعها على قلبه قائلة:- ألا يحس هذ القلب بالحب .
قال و كأنه يـتألم:- بلى فلنخرج الآن
خرجنا من السينما و ركبنا سيارتي التي انطلقت بها تجاه منزله قائلة بسعادة:- كانت هذه الكلمة حبيسة أعماقي و ها أنذا قد استرحت
قال بوجه جامد الملامح:- أوقفي السيارة
قلت بقلق:- ماذا هناك
قال:- أريد مصارحتك بأمر ما
قلت و أنا أقف بصرير مزعج أصدرته إطارات السيارة:- قل ما تريد
قال و هو يزفر زفرة حارة:- أنا أتألم فلست صادقا في مشاعري
قلت مرتجفة:- كيف
قال ناظرا إلي و هو يميل بجسده كله نحوي:- أروى اسمعيني جيدا
أولا:- أنا لست من النوع الذي تستهويه فتاة مثلك لاهم لها إلا الأصباغ التي تغطي و جهها و الملابس القيمة التي ترتديها .
قلت و قد بلغ مني الحزن مبلغه:- أنا أحاول التغير للأحسن
قال:- ذاك أمر يطول ثانيا:- لست فقيرا أو معدما لأطمع في أموالك الوفيرة و تصرف الساعة التي أهديتيها لي أوحى إلي بأنك تحولين شرائي بمالك.
ثالثا:- أعتقد أنه وفق الشريحة التي تنتمين إليها أن أهلك لن يوافقوا على صعلوك مثلي ---- من وجهة نظرهم---- يتقدم للزواج من جوهرة نادرة مثلك تمتلك المال و الجمال .
قلت بعناد:- كل هذه عقبات سأذللها في سبيل أن أتزوج بمن أحب
قال:- أنا أشك حقا في مشاعري
قلت و أنا أمسك يده بتوسل:- صدقني يا حسن ، أنا سأكون طوع أمرك في كل شيء و إن نمنا على بساط من الخيش و شربنا من قلة ماء .
قال بهدوء ساخر:- هذا كلام مثل الذي يقوله بعض الراغبين في الزهد و اعتزال الحياة الدنيا قبل أن يوقنوا أنهم لا يزال أمامهم الكثير من تدريب النفس على الاحتمال قبل أن يرتقوا هذا المرتقى
قلت بأمل:- جربني لأسبوع واحد فقط و أعدك أن أكون فيه نعم المسترشدة بآرائك و المطيعة لأوامرك .
قال:- طوال الفترة السابقة و أهلي يشيدون بك باستثناء بعض التعليقات على ملابسك لكن بالنسبة لي الأمر مختلف.
قلت:- لماذا عرفت أكثر من عشرة من زملائنا و تلاعبت بهم و من ثم أطلقت عليهم نيرانك بلا هوادة و جعلتيهم أضحوكة للكلية و كل ذلك في سبيل أن ترضي نزقك و غرورك .
دمعت عيناي فلم أكن أعرف أنه يعلم هذا كله فاستطرد بجفاء:- منهم من أحبك بصدق و لكنك لم تعيريه أدنى اهتمام و أنت تحطمين قلبه و إنما اهتممت فقط بالشخص الذي لم يعرك اهتمام ، هل تعلمين دلالة هذا ؟
قلت و دموعي تتحول لشلال متدفق:- كف عن تعذيبي
قال :- هذا إن دل فإنما يدل على نرجسيتك و أنانيتك و أنك تهتمين بمن يزدريك و لا يلتفت إليك .
ثم علا صوته حتى أحسست أنه سينفجر من شدة الغيظ :- لا أعرف حقيقة مشاعري نحوك بعد كل ما فعلتيه بزملائنا ، أفعالك هذه أقامت حاجزا نفسيا بيني و بينك .
قلت و صوتي بالكاد يخرج من حلقي:- ما نهاية هذا العذاب .
قال بحزن:- رغم ضميري الذي يعذبني و يجعلني أحس بحقارتي و ضآلتي أحب أن أخبرك أنك كنت جزء من لعبة قررت أن ألعبها باحتراف حتى أجعلك تعلمين مدى ما وصلت إليه من حفارة لنفس و ضعة الأخلاق .
ثم دمعت عيناه رغما عنه قائلا :- يا للخيبة يا أروى ، أتحسين بما أحس به كثير ممن حطمت قلوبهم .
قلت و أنا ألجم نفسي بلجام الحلم و رغم ذلك خرج صوتي ضعيفا متخاذلا:- أهذا كل ما عندك .
قال و هو يفتح باب السيارة:- أستأذنك ألا تحادثيني في الهاتف مرة أخرى و ألا تأتي لتحادثيني في الكلية فما هي إلا أشهر
ونتخرج و لا يرى أحدنا الآخر ثانية .
قلت:- أنا أحبك .
قال :- وداعا
بكيت بشدة فخرج من السيارة ثم سمعت صوت كعبي حذاءه يضربان الأرض و صوتهما يخفت كلما ابتعد .
رأيته بعد ذلك في امتحانات نهاية العام و لم أره بعدها و حاولت انتظاره خارج المنزل يوما ما فعلمت أنه يقضي فترة التجنيد من بواب البناية التي يقطنها و أنه طلب من البواب ألا يخبرني [اي شيء لكن البواب ضعف نظير المال الذي أعطيته له .. صممت
و آمنت بأنه طالما هناك أمل فلابد أن يعصف بالعقبات التي تعترض طريقه .. علمت من البواب أن حسن يعود كل خميس إلى منزله بمدينة نصر فانتظرته يوم الخميس من الصباح الباكر حتى عاد إلى منزله .. دلف من باب البناية فوجدني واقفة في وجهه فانقلبت سحنته على نحو عنيف قائلا:- ماذا تريدين
قلت مسرعة :- أطلب الصفح و الغفران
قال و هو يزيحني عن طريقه :- عن ماذا
ثم صعد السلم فاندفعت نحوه و احتضنته من الخلف بكل قوتي قائلة و أنا أبكي:- أرجوك لا تتركني يا حسن .
تسمر في مكانه ثم قال بذهول:- ألهذا الحد تحبينني
قلت و أنا ألصق خدي بظهره:- أقسم أني لا أطيق فراقك
قال و يداي لا تزالان تحتضنانه من الخلف:- و كيف تحملت كل هذه الفترة
قلت بندم:- تجرعت كأس الهم و العذاب
حرك كتفيه بقسوة فأفلت ذراعي رغما عني قائلا:- إليك عني
تراجعت الى الخلف فاستدار نحوي ثم نظر إلي مليا.. أحسست في نظراته تلك بأمل يراودني في أن أدرك مبتغاي نهاية المطاف فقلت بحزن:- أرجوك يا حسن، أنا لم أحب يوما فلا تحرمني من هذا الإحساس و كف عن تعذيبي .
فوجئت بكفه على وجنتي و هو يقول:- كفكفي دمعك يا أروى
مسحت الدموع براحتي فقال بصوت حنون:- هل تعلمين أن حزنك يضفي عليك جمالا لا حدود له ..
نظرت إليه بوجه أشرق بعد غروب فاستطرد:- أريد أن أعرف عنك عدة أشياء
قلت متلهفة:- سأقول لك كل ماتريد
قال:- أقابلك في التاسعة في ميدان روكسي
قلت:- سأنتظرك هناك ، أنت تعرف رقم السيارة
قال :- سآتي ثم أولاني ظهره مستطردا:- بالمناسبة غيري هذه الملابس و غيري تصفيفة المجانين هذه التي على رأسك .
قلت و أنا أبتسم رغما عني:- لك ما تريد
عدت لمنزلي فارتديت ثوبا أسودا فضفاضا و صففت شعري للخلف مكونة ضفيرة طويلة خلف ظهري بالإضافة الى معطف طويل يقيني برد الشتاء و انطلقت إلى ميدان روكسي فوصلته الثامنة و النصف لأنتظر حسن الذي وصل قي التاسعة بالضبط ثم ركب بجانبي قائلا:- انطلقي إلى أي مطعم
انطلقت بالسيارة ثم قصدنا مطعما هادئا و طلبنا عشاء خفيفا ثم قلت له بلهفة:- ماذا تريد أن تعرف
قال و هو يتراجع إلى الخلف:- كل شيء عنك
قصصت عليه كل شيء عني و عن حياتي بدءا من مشاكل أمي مع أبي و سلوك أخي الشائن و انتهاء بالخواء الذي أحسه في حياتي .. ظل يستمع إلي ثم قال مبتسما :- لم أتخيل أن تصل صراحتك لهذا الحد .
قلت:- أنا لم أكذب طوال عمري
قال:- لا زلت لا أعرفك حقا
ثم مال نحوي حتى أحسست بأنفاسه في وجهي قائلا:- هل تعلمين أنك تعيسة للغاية .
قلت بإحباط :- أهذا رأيك
قال:- لا تعرفين هدفا لحياتك
قلت:- معك حق ، أنا لا أعرف إلا تضييع الوقت
موضوع: حبيب قلبي... الجزء الثالث 
السبت مارس 28, 2009 6:19 pm