هذه القصة التي ألفتها و أحبها جدا...
حياتي كلها كانت عبارة عن مكياج و أصباغ و لهو و عشتها كما أردتها لنفسي .. أحببت نفسي حبا جما و تملكني الغرور أيما تمكن لإحساسي بجمالي اللافت الجذاب الذي يندر أن تتميز به فتاة هذا غير تربيتي في مدارس اللغات الراقية و انتمائي لطبقة ثرية تفعل ما تشاء و تشتري ما تشاء دون أي اعتبار للقيود الاجتماعية و الدينية .. دخلت كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية و أول ما دخلت الكلية تهافت علي الكثير من الشباب لما ظهر علي من ثراء شديد و جمال يندر أن يجود الزمان بمثله .. رافقت بعض الشباب متلاعبة بهم و مستخفة و من ثم ضربت بأحلامهم عرض الحائط
و أذهبت آمالهم أدراج الرياح .. كنت أستمتع بذلك لا أدري لماذا ؟ عرفت أني فتاة صعبة المراس و أن كثيرا من الشباب يتراهنون
على الايقاع بي في شباك الحب و الغرام و كنت أترقب هذا الرهان بشغف و له يسعد قلبي و يطرب فأنا – في اعتقادي الشخصي-
لا يستهويني أي شاب من هؤلاء الشباب التافهين الضائعين و إنما أردت دوما شابا مثالا للرجولة الحقة و الأخلاق الفاضلة و ذلك لما أعانيه في المنزل من انهيار في منظومة القيم الأخلاقية .
أبي دائما غائب عن المنزل و دائما تحدث بينه و بين أمي مشاجرات عدة لأتفه الأسباب و من الأسباب الرئيسية السكرتيرات فائقات الجمال اللاتي يحضرهن أبي للعمل بشركته .. هؤلاء النسوة ما إن تشاهدهن أمي الغيورة يتبدلن يوما بعد يوم حتى تستشيط غضبا و تنفجر في أبي معلنة أنه زير نساء و أنه مصاب بالشبق و لا يرتوي من بحر الشهوات الذي ينهل منه يوما بعد يوم .. رغم معرفتي أن أبي لا ينظر للأمر من هذا الجانب و أنه يحب فقط أن يفخر أمام رؤساء مجالس إدارات الشركات الأخرى بأنه يجيد اختيار سكرتيراته الجميلات اللبقات الاتي يجدن اللغات والكمبيوتر .. غادرت كثير من السكرتيرات الشركة بسبب عدوانية أمي غير المبررة و للحق فإن العيب كان في أمي و ليس فيهن ..
هن كن يقطرن أدبا و فضيلة – من وجهة نظري- و لم أشهد منهن مع أبي أي سلوك يثير الشك في علاقة مشبوهة بين الطرفين ..
تصادقت مع إحداهن و اسمها سما أصبحت بمثابة الأخت لي زرتها وزرتها في منزلها فطالعني من كرم أخلاقها و جميل خصال زوجها ما جعلني أنفض عن رأسي ترهات و تفاهات أمي .. طالما حاولت أن أعيد أمي إلى رشدها فكانت تقابل الهدوء بالثورة
و النصح بالغضب الشديد فآثرت الابتعاد حتى لا أسبب المشاكل لنفسي و قلت بأن أبي اعتاد هذا و هو يجيد سبر أغوار أمي وتهدئتها .. من جهة الأخيرة كانت تحمل دائما خوفا من المجهول أو خوفا من المستقبل لا أدري أيهما أصح ؟ كانت تفرط في التدخين كثيرا و تتزين لأبي بمنظر مخز فاضح جعلنا نحن الأولاد
نعلق كثيرا على هذا حتى قال أخي هيثم ذات يوم:- الليلة ليلة حمراء مجنونة .
قالت له شقيقتي يمنى:- هذا كلام لا يقال
قلت أنا بغضب:- يبدو أنها جنت .. إنها ترتدي قميص النوم المفتوح أمامنا و تجلس أمام الباب منتظرة قدوم أبي واضعة رجلا فوق الأخرى .
قالت يمنى بحسرة:- أدمنت الخمر مع السجائر
علق هيثم ساخرا:- لم يبق إلا الحشيش
ترك لنا الوالدان الحبل على الغارب فإذا بهيثم يستفحل أمره و يأتي بالمومسات في ليالي الصيف دون علم أبي و أمي .. هددته بفضح الأمر فقال:- إن فعلت هذا أخبرتهم أنك متزوجة عرفيا
قلت مصعوقة :- ما هذه الخسة
قال:- كلمتي مقابل كلمتك و ستكون فضيحة فلا حاجة لك إلى الكلام عن البغايا فقط الزمي الصمت و لا شأن لك بالموضوع .
قلت مغتاظة:- أي حقير أنت
قال:- كلنا في الهم سواء
لم تعر يمنى الأمر اهتماما فقد كانت مثل هيثم مهتمة بنزواتها من فسح و سهر و خروج بالسيارات حتى ساعات الفجر الأولى لعلمها
بأنها ذاكرت أو لم تذاكر ، نجحت أو رسبت فالمال الذي تدره علينا شركة أبي يكفي نصفه سنويا لنقضي الصيف كله في أوروبا ..
مع أحوالنا المادية المنتعشة و استمرار شركة أبي في التضخم وصلت إلى السنة الأخيرة في كلية الآداب بعدما حطمت قلوب أكثر من خمسة عشر شابا بقسوة و لا مبالاة مظنة أن أكثرهم لم يكن يريدني إلا طمعا في ثروة أبي الطائلة .. وحده فقط ظل يثير اهتمامي منذ الفرقة الأولى ليس لوسامته أو لشخصيته و إنما لتجاهله التام لي لا أدري لماذا ؟ كان زميلي في السكاشن و إذا تحدث أحدهم عني لم يشترك في الحوار و إنما ينعزل بمنعزل عنه
و كأنه من عالم آخر فلم يحدث يوما أن تناهى إلى مسامعي حوار
اشترك فيه عني أو نظرة نظر بها إلي رغم جمالي الأخاذ الذي ورثته عن أمي التي لا تثق في نفسها و ستظل تعتقد أبد الآبدين
أن أبي يخونها مع أخريات ..
سألت عنه إحدى زميلاتي فقالت:- حسن كمال من مدينة نصر
و والده دكتور في كلية العلوم .
قلت:- يبدو عليه انطوائيا
قالت بملل:- هو مثالي للغاية لا يحدث الفتيات و دائما ينجح بتقدير عال و يقضي أوقات الراحة بين السكاشن في قراءة كتب التاريخ
و السير .
قلت:- يبدو مثالا للتواضع و الخلق القويم .
قالت:- هكذا هو .. و علمت من زملائنا أن والدته توفيت عندما كان في عامه الخامس و أبى والده الزواج ليربيه مع شقيقيه اللذين تزوجا و سافرا للخليج للعمل هناك .
قلت:- إذن من رباه رغم انشغال والده الدائم
قالت:- له عمة مطلقة منذ عشرين عاما تعيش مع والده .. هي التي ربته و عوضته عن حنان أمه الذي فقده
قلت:- كيف علمت كل هذا عنه
قالت:- يقول زملاؤنا أنه صريح للغاية و لا يحمل أي نوع من العقد النفسية و يبدو ككتاب مفتوح.
قلت:- لهذا الجميع يحبونه
قالت:- و يحترمونه، بيد أن هذا النوع لا يعجبني
موضوع: حبيب قلبي ... الجزء الأول 
السبت مارس 28, 2009 6:02 pm