في إحدى المحاضرات الخاصة برواية فرنسية ندرسها قام حسن
و اعترض بشدة على تدريس هذه الرواية التي تحمل في طياتها انحطاطا أخلاقيا و استهتارا بالقيم الدينية ..
قال له دكتور المادة يومها أن الأدب عالم حر لا حكر عليه و أن التعامل الديني و القيمي مع الأدب يقلل من قدره و لا يرفعه إنما ينحط به فالأصل في الأدب حرية الفكر و تخطيه لجميع الحواجز
و السدود التي تعيقه فما كان من حسن إلا أن رد الصاع صاعين للدكتور قائلا بأن تدريس مثل هذه الروايات قد يؤثر سلبا على المجتمعات الشرقية التي تناقض قيمها القيم الغربية التي لا تقيم
أي وزن للقيم و المثل بينما ترتكز الأولى على حضارة اسلامية عمرت الدنيا و أضاءت ظلام الجهل الذي كان سائدا في العالم وقتذاك.. استشاط الدكتور غضبا و طرده من المحاضرة فغادر القاعة قائلا أنه على مبدئه و لن يحيد عن هذا الرأي الذي بناه
من قراءاته و مطالعاته لكتب التاريخ .
أحسست يومها بقلبي ينجذب نحو حسن بشكل غريب فمثل هذا الشاب يتبنى قيما و مثلا لا أرى عشرة بالمائة منها عند عائلتي التعيسة التي تمتلك الماديات و لا تقيم أي وزن للقيم و المثل .
أخبرت أبي عن حسن و أنا أزوره في مكتبه فقال:- أرى أنه تمكن من قلبك .
قلت:- نوعا ما
مال نحوي قائلا:- ما رأيك بأن تتزوجيه
قلت مستنكرة:- ليس بهذه السرعة
قال ضاحكا:- يا لك من حمقاء ، إنه لم يتقدم حتى لخطبتك
قلت يائسة :- و لن يتقدم فأنا لا أمثل بالنسبة إليه إلا فتاة متجردة من الأحاسيس .
قال:- نريد لك زوجا ثريا تمتزج ثروته بثروتنا حتى نظل على قمة جبل النجاح .
قلت:- ألا يفكر رجال الأعمال إلا في الماديات
قال:- هذا لضمان مستقبلك
قلت بتحد:- ما رأيك في مستقبل نيرة ابنة صديقك رجل الأعمال صدقي العروسي .
قال :- هذا وضع خاص
استطردت:- أدمن زوجها الخمور ثم أدمن الهيروين و رحل إلى جوار ربه تاركا لها طفلة صغيرة بعدما تدمرت حياتها.
قال:- هذا قدر
قلت:- من بداية الأمر كان اختيارا خاطئا نظرا لسوء سمعة ابن صديقك الذي لم يكن يميزه إلا كثرة مال أبيه و حدث ما حدث
و دمر ذلك نفسية نيرة التي تعاني من الاكتئاب حتى اليوم.
قال:- عنيدة أنت
قلت:- مثل أبي
لانت ملامحه و ابتسم قائلا:- مثل أبيك
في أصيل صيف وقفت أمام حسن و هو يسير في حديقة الكلية بمفرده قائلة له :- أريد أن أتحدث معك قليلا
قال بحرج :- فيم
قلت:- أشياء عديدة
قال :- لست معتادا على محادثة الفتيات
قلت برجاء حار:- هذا طلب من أخت فأنا أريد معرفة بعض الأمور المتعلقة بالرواية التي ندرسها .
جلسنا معا في كافيتيريا الكلية و أخذت أستمع له و هو يتحدث عن التاريخ الإسلامي و الحضارة العربية التي امتزجت به و يستهين بالغرب الذي كان في أوج حضارتنا يرزخ تحت نير الجهل والخرافات .
سألته أن يعطيني رقم هاتفه المحمول فقال بحرج :- اعذريني
بصفاقة و سماجة التقطت هاتفه من على الطاولة و طلبت رقمي
و هو ينظر لي برثاء فقلت بحيرة:- أنظرة إشفاق هذا
قال:- أتحسر على من يملك المال و لا يملك العقل.
قلت:- لا تتفلسف علي
نظر إلي بعينين حزينتين تمنيت لحظتها أن أغوص في سوادهما ثم قال:- ألا تريدين أن تتغيري
قلت:- و كيف
قال:- أن تتحولي لشخص آخر
قلت:- هذه هي شخصيتي
هز رأيه نفيا مستطردا:- شخصيتنا نصنعها بأيدينا وفق السير
في ركاب قيمنا الأصيلة .
قلت:- كلامك كبير
قال:- هل تتقبلين النصيحة
قلت:- كلي آذان صاغية
قال:- سأحضر لك بعض الكتب التي تتحدث عن الأخلاق
قلت:- كتب دينية
قال:- و تاريخية
قلت:- أمل من كثرة القراءة
قال:- اقرئي بتمهل و ركزي فيما تقرئينه
أعارني بعدها بيومين بعض الكتب انكببت على قراءتها بشغف ونصحني بالاستماع إلى بعض الدعاة الجدد و بعض برامج تنميةالذات فإذا بي أنا الفتاة المستهترة السخيفة تنقلب حياتي رأسا على عقب .
قلت لنفسي:- أي عالم هذا الذي كنت أحيا فيه
ألححت على حسن أن أزوره في بيته في وجود والده و عمته فأبى بداية ثم لان مع الإلحاح و رضخ فذهبت لزيارته و التعرف على والده و عمته .. استقبلوني بترحاب شديد و فطنت إلى أن هؤلاء الناس لابد أن ينجبوا مثل هؤلاء الأبناء .. تناولت معهم طعام الغداء و أخذت أتحدث عن الكلية و عن سخف شباب هذه الأيام فوجدت من والده ثقافة عالية و إلماما بالشئون السياسية و الاجتماعية للبلاد مما زاد من احترامي له .
قالت عمته:- حسن ليس كشباب هذه الأيام
قلت:- إنه مؤدب للغاية
ابتسم والده قائلا:- نحن من أصول ريفية و لنا تقاليدنا و قيمنا الخاصة حملناها معنا الى المدينة
قلت:- من أي البلاد
قال:- من قرية متاخمة لبنها .. كان والدي مدرسا للرياضيات و والدتي موظفة بالشهر العقاري و لقد تعبوا في تربيتنا حتى تفوقنا و أصبحت دكتورا في كلية العلوم بينما أصبحت أختي بشرى مدرسة للغة الانجليزية لا يشق لها غبار .
قلت مشدوهة:- هل أنت أبلة بشرى التي تعطي مراجعات الثانوية العامة في قاعة المؤتمرات بمدينة نصر.
قالت مبتسمة:- بكل خجل و تواضع نعم
قلت:- شهرتك طبقت الآفاق و الطلبة يتسابقون للحجز عندك من بداية الصيف
قالت ضاحكة:- ماذا أفعل هم الذين يريدون ذلك
قلت:- رغم ذلك الكل يشيد بأخلاقك و أنك تأخذين أقل بكثير مما يأخذه مدرسون أقل منك شهرة .
قالت:- المال ليس كل شيء ، أهم شيء أن ننشىء أجيالا تتأسس تأسيسا صحيحا في اللغة الانجليزية .
لحظة غادرت هذا المنزل أقسمت بيني و بين نفسي أن حسن هو زوجي الذي طالما بحثت عنه و أخذت أعد خطة للإستئثار به و الإيقاع به في شباك حبي .
أحضرت له ساعة قيمة تزيد على ألفي جنيه فإذا به يرفض الهدية بإباء قائلا :- أنا لم أطلب منك هدايا
قلت بلوعة:- أضايقك هذا التصرف
قال:- بالتأكيد
طلبت منه أن يسامحني و ظللت أياما أعتذر له حتى هدأت نفسه وعادت إليه سكينته بعد أن أحسست أني جرحته في كرامته.. طلبت منه الذهاب إلى السينما في يوم ما فأجاب بأنه ليس من محبي السينما فألححت عليه و أنا اللحوحة فاستجاب بعد عذاب .
دخلنا السينما لنشاهد فيلما هن حبيبين أخفت فيه الحبيبة عن حبيبها مرضها بالسرطان و رغم ذلك ظل يحبها حتى نهاية الفيلم .. قبل نهاية الفيلم بدقائق أمسكت يد حسن التي بجانبي و أرحت رأسي على كتفه فقال هامسا:- لا تفضحينا .
قلت هامسة بدوري:- أحبك ، أقسم بالله أني أحبك من صميم قلبي .
موضوع: حبيب قلبي.. الجزء الثاني 
السبت مارس 28, 2009 6:07 pm