أنت هنا فى أحراش أفريقيا...
حيث الفقر...
حيث البؤس والعذاب...
حيث الأمراض الفتاكة والمعدية...
حيث الجهل والتخلف...
حيث الخرافات والوثنية...
حيث التشرد والضياع...
حيث شريعة الغاب تسود...
حيث يقاتل الناس هنا من أجل الحفاظ على حياتهم...
***********
سارت فى الأحراش المخيفة مع ولديها.. الأول يبلغ من العمر خمسة أعوام والآخر يبلغ من العمر عام واحد...
ذهب زوجها ليصطاد مع رفاقه تاركاً إياهم بدون طعام..
حاولت إرضاع الطفل لكن ضعفها وهزالها حال دون خروج اللبن من ضرعها ..
حملت ابنها على محفة خشبية صغيرة وألصقته بظهرها وأخذت الآخر الهزيل من يده باحثة عن الطعام...
كانت تعلم أن خروجها محفوف بالمخاطر...
وتعلم أن بقاءها معناه الموت جوعاً...
بحثت عن الطعام دون جدوى...
حاولت اصطياد أى حيوان برى بيد أنها فشلت لضعف قوتها...
بكى الطفلان يتوسلان الطعام إلى أن ناما.
نظرت إلى النجوم تستلهم الحل من النجوم المتلألئة.
وهنا تبدت فى ذهنها فكرة تمكنها من إطعام الابن الأكبر.
قامت وابتعدت عن الصغيرين النائمين بحذر.
اختبئت خلف شجرة وأخرجت من جرابها سكيناً حاولت أن تمزق به قطعة من لحم فخذها... أحست بالألم يتصاعد إلى رأسها فتناولت قطعة من الخشب وضعتها بين فكيها وهى تقطع فخذها.
دمعت عيناها تحت وطأة الألم إلا أنها تمكنت فى النهاية من بتر قطعة اللحم.. أشعلت ناراً ثم وضعت قطعة جمر من داخل النار على الجزء النازف من فخدها وهى ترتجف من العذاب.
ربطت فخذها بخرقة ثم قامت بوضع قطعة اللحم على النار حتى نضجت وأيقظت صغيرها ليأكل.
ابتسم الصغير بعد أن أكل فنظرت إليه فى رضا...
ثم أخذت تهز الآخر حتى يكف عن البكاء...
حركت يديها ببعض التقاليد الوثنية تدعوا الله أن يسير اللبن فى ضرعها.
قاطع دعاءها زئير هادر من خلفها.
التفتت فألفت أسداً ضخماً ينقض على ابنها الأكبر...
جرت حاملة الطفل الأصغر بذعر موقنة بهلاك ابنها الأكبر..
برز لها أثناء عدوها بين الأحراش لبؤة مفترسة تنظر إليها على بعد مائتا متر.
غيرت طريق عدوها بينما انطلقت اللبؤة خلفها...
وصلت إلى شاطئ بحيرة تسد أمامها الطريق..
نظرت خلفها فوجدت اللبؤة تقترب بعد أن أبطأت من سرعتها...
خلعت الحامل الخشبى من على ظهرها ودفعته مع الطفل فوق الماء...ثم حاولت أن تقفز في الماء إلا أنها وجدت اللبؤة قد اعتلت ظهرها فأغمضت عينياها مستسلمة لمصيرها المحتوم...
**********
بكى الطفل بحرقة والحامل يسيره فوق الماء...
لم يكن يعلم أن أمه وأخاه قد ماتا...
لم يكن يعلم أن نهايته وشيكة...
لم يكن يعلم أن تمساحاً ضخماً برز من تحت الماء ينظر إليه بعينين جامدتين