[font:3377=Arial Black[size=24[color:ca9c=darkblue]]]سار سامح بالسيارة شارد البال يفكر في مصير طفله المرتقب و الأربعة الراكبين معه ينظرون إليه في توجس .. قال بتوتر:- طال الطريق
قال أحد الرجال بثقة:- كدنا أن نصل
قال سامح:- أي مشوار خصوصي هذا الذي يدفع فيه أربعمائة جنيه في مائة كيلومتر.
قال الجالس بجانبه:- تعودنا على الكرم
قال سامح:- أنا لم أعتد هذا من قبل .
قال أحد الأشخاص بالخلف:- هل أنت متزوج
قال سامح:- منذ عامين
قال أحدهم:- عندك أطفال
أجابه سامح بضيق:- لم تحمل زوجتي إلا قبل أربعة أشهر
قال الرجل:- مبروك
قال سامح:- أتمنى أن نربيه تربية حسنة فغلاء الأسعار أصبح غولا متوحشا .
قال رجل:- ثق في الله
قال سامح:- لاإله إلا الله .
استمرت السيارة في سيرها على الطريق الدائري إلى أن قابلها كمين شرطة قرابة نقطة تفتيش ثم أشار ضابط الكمين للسيارة من بعيد أن توقفي .. نظر الرجال إلى بعضهم ثم فتحوا أبواب السيارة و انطلقوا هاربين و سامح لا يكاد يعي من فرط ذهوله ما يحدث .. اقترب الضابط من سامح و هو يقول :-
افتح شنطة السيارة .
قال سامح بخوف:- و الأربعة الذين هربوا .
قال الضابط بضجر:- أي أربعة لم أشاهد أحدا
انفجر سامح صارخا:- كان معي أربعة أشخاص هربوا بمجرد الاقتراب من الكمين
انفجر الضابط بدوره صائحا:- لا تضع وقتي و افتح شنطة السيارة
صاح سامح :- حقائبهم بالخلف
قال الضابط و هو يحاول تمالك أعصابه:- أتحاول خداعي أم ماذا يا هذا .
قال سامح مسرعا:- أقسم أنه كان هناك أربعة أشخاص معي
قال الضابط :- افتح الشنطة .
فتح سامح شنطة السيارة بقرف فجذب الضابط الحقائب من السيارة مع جنديين معه و أخذا يفتشانها قبل أن يقول الضابط ظافرا:- وقعنا على كنز ثمين
قال أحد الجنود:- البانجو يملأ الحقائب الأخرى أيضا يا سيدي
أسقط في يد سامح فلم يعد يدري ماذا يقول و الضابط يدفعه أمامه قائلا:- سر أمامي أيها الحقير .
*********
رغم كل اعترافات سامح الصادقة لم يصدقه أحد و تم اتهامه بالإتجار في المخدرات و عرض على القضاء فحكم عليه بخمس وعشرين سنة مع الشغل و النفاد.
صرخت يومها زوجته فريدة:- لماذا، لماذا .
قال والدها بحكمة:- تعقلي يا ابنتي
قالت فريدة منهارة:- سوف يكبر الطفل و والده في السجن ، يا لحظك البائس يا بني .
قالت أمها:- لا حول ولا قوة إلا بالله ، ياما في الحبس مظاليم .
دخل سامح السجن ليفاجأ بالعالم القاسي الذي انتقل إليه .. عاشر قوما لم يتخيل يوما أنه سيتعامل معهم .. سخر منه كثيرون و عايروه ببلاهته و حماقته عندما أخبرهم بما حدث .
قال له أحد زملائه يوما في السجن:- سوف أهرب غدا و أريد رفيقا .
قال سامح بأمل :- سآتي معك
قال زميله:- سنغافل الحرس مساء و نقفز من على السور
قال سامح :- السور عال
قال زميله :- معي حبل و عصا حديدية سنستخدمها في الهروب و سأعلمك الطريقة التي سنتسلق بها السور .
شرع زميله يشرح له كيفية الهرب لمدة ساعات و في يوم الثلاثاء انطلق سامح و زميله محاولين الهرب لكن المحاولة فشلت قبل أن يصلا حتى إلى السور بوشاية من أحد المساجين و عوقب سامح بالحبس الانفرادي لمدة ستة أشهر مما عرضه لصدمة نفسية حادة .. بعد خروجه من الحبس الانفرادي قال له أحد زملائه:- لاتحاول الهرب فذلك مستحيل .
قال سامح بصوت مختنق:- أقسم بالله أني دخلت السجن ظلما
قال له زميله:- كلنا هذا الرجل
قال سامح:- أتمنى أن أموت
قال زميله بخبث:- هناك ما سينسيك همومك
قال سامح:- أي شيء هذا
صحبه الرجل إلى زاوية في السجن يجلس بها رجل عجوز و قال له معرفا:-
عم بسيوني المحمدي أكبر تاجر مخدرات في السجن .
قال سامح مذهولا:- مخدرات في السجن .
قال العجوز:- أنا أعمل في هذا النشاط منذ زمن طويل و محكوم علي بالمؤبد فأحاول التسرية عن نفسي بالتجارة .
قال سامح:- و لكن إدارة السجن قد تعرف .
تبادل العجوز و زميل سامح نظرة ساخرة ثم قال العجوز ضاحكا:- لا تقلق فلن يعرفوا .
قال سامح:- لا أملك مالا حاليا
قال زميل سامح بسرعة:- خذ أول جرعة و بعدها ادفع الحساب
قال سامح:- سيصل المال بعد أسبوعين مع زوجتي
قال العجوز:- أي نوع من المخدرات تفضل ( هيروين – حشيش- أفيون – بانجو- حقن ) .
قال سامح:- لم أجرب إلا الحشيش
قال زميل سامح:- جرب حقن الماكس فورت إنها رائعة
قال سامح بحيرة:- هل ستنسيني همومي
قال العجوز :- أعتقد ذلك
أدمن سامح حقن الماكس فورت التي كان العجوز يعطيها له في الحمام و أخذ يطلب مبالغ مالية كبيرة من زوجته فريدة التي تساءلت قلقة في زيارتها الأخيرة له:- لم كل هذه الأموال
قال بضيق:- لكي أحيا حياة كريمة داخل السجن .
قال متنهدة بحزن:- بعت معظم مصاغي
قال بحزن :- ما أخبار الطفل
نظرت للطفل الذي يبلغ من العمر أشهر و قالت:- ليته لم يولد
قال بغضب:- لا تعترضي على مشيئة الله
قالت :- المصاب جلل
واظب سامح على تعاطي حقن الماكس فورت حتى أودت جرعة زائدة بحياته و لما علمت زوجته فريدة الخبر انهارت و فقدت إرادة الحياة .
قالت لها أمها:- دعي الملك للمالك
و قال والدها:- لا يغني حذر من قدر
قالت فريدة بحزن مرير:- تدمرت حياتي و حياة طفلي
قالت أختها:- تحملي من أجل الطفل
إلا أن المصاب الذي حل بفريدة أتعبها نفسيا مما جعل والدها يدخلها مصحة نفسية بناء على توصيات الأطباء .
قالت لها أختها و هي تزورها في المصحة:- خلق الإنسان نسيا و سوف تنسين
قالت فريدة :- يا حبذا
بعد ذلك بفترة أصيب رضيعها بحمى شديدة و ضيق في التنفس و بذل الأطباء المستحيل من أجل الطفل الذي توفي بعد مرضه بأسبوعين .. زار والدها المستشفى بعد وفاة حفيده فقال له طبيب فريدة بأسف:- إنها في عنبر (.......)
قال والدها بعينين دامعتين:- هل وصلت حالتها لحد خطير
قام الطبيب من على مكتبه قائلا:- تعال معي .
سار والد فريدة مع الطبيب حتى دخلا عنبر الحالات الحرجة فرأى الرجل ابنته تحتضن قطة صغيرة و تضحك في بلاهة .
اقترب الرجل من ابنته قائلا:- كيف حالك يا ابنتي
هم بأن يضمه إليه فدفعته ابنته و هي تنظر له بضيق ثم احتضنت القطة بقوة مبتعدة عنه فقال الطبيب:- منذ أيام و هي تبدي اهتماما بالقطط و كأنهم أطفالها .
قال الأب باكيا:- يا لحظك العاثر يا ابنتي
ضحكت فريدة ضحكة رقيعة ثم قامت تركض في العنبر و كأنها في سباق فأشاح والدها بوجهه في حزن فقال له الطبيب و هو يربت على كتفه:- تحمل يا سيدي فقد تتحسن حالتها .
في أحد الأيام المقمرة تسللت فريدة تحت ستار الليل هاربة من المصحة و فشلت كل محاولات البحث عنها حتى يئس أهلها من العثور عليها .
قال والدها يومئذ:- حسبي الله و نعم الوكيل
قالت له زوجته:- فلندعوا الله أن يصبرنا على فقداننا فريدة
********
التجاعيد في وجهها كثيرة و انحناءة ظهرها توحي بعمر أكبر من عمرها الذي يبلغ الستون عاما .. سارت تلك العجوز في حواري مدينة طنطا بعد ثلاثين عاما على الأحداث السابقة و خلفها عدد لا بأس به من القطط و توقفت أمام بقالة ثم نقدت صاحبها عشرة جنيهات قائلة له بسفه:- علبة سلمون من فضلك .
ناولها الرجل العلبة و هم بإخراج الباقي من الدرج فوجدها تبتعد فهرول خافها واضعا الباقي في يدها بالقوة.
اتجهت العجوز إلى صحيفة قمامة و أسندت عليها ظهرها ثم فتحت العلبة و هي تنظر إلى القطط التي تتواثب في حجرها محاولة الأكل من العلبة فقلبتها على الأرض قائلة بسرور:- كلوا يا صغاري .
أخذت القطط تأكل في نهم و هي تنظر لهم في رضا .. اقترب لحظتها رجل يرتدي معطفا يقيه برد الشتاء و نظر إلى ملابسها الرثة قائلا:- لم ترتدين هذه الملابس الخفيفة أيتها العجوز .
مدت يدها له و هي تبتسم فوضع في يدها جنيها ثم سار مبتعدا فقالت العجوز بصوت كالفحيح :- سأحضر لكم علبة سلمون غدا أيضا يا صغاري .
هطلت الأمطار بغزارة في هذه اللحظة فنظرت للسماء قائلة:- يا لجمال المطر
ثم اخذت نفسا عميقا مستطردة:- اشربوا يا صغاري و اشكروا خالق السماء.
في هذه الليلة المطيرة تساءل كثير من أهل هذا الحي عن سر مواء القطط المستمر قبيل الفجر بقليل ..
لم يعرف أهل هذا الحي أن العجوز ذات الشعر الثلجي قد فارقت الحياة في هذه اللحظة و أن كثيرا من القطط أخذت تموء في حزن بالغ على المرأة الحنون التي طالما أطعمتهم .
NMF[/font][/size]