الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
كل من قرأ بإنصاف عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعرف سيرته لا يملك إلا أن يثني على هذا الرجل العظيم ،الذي أفنى حياته في سبيل الله ،وتبليغ رسالته ،والعارف بسيرته صلى الله عليه وسلم ليعلم أنه لم يكن صاحب شهوة ،فقد تزوج من السيدة خديجة وهو ابن خمس وعشرين ،وكانت هي في الأربعين من عمره،ولم يتزوج معها غيرها طيلة حياتها ،وقد ماتت وهو فوق الخمسين ،فهل من المعقول أن الزواج بعد الخمسين كان لشهوة،بعد أن أمضى زهرة شبابه مع امرأة عجوز؟!!
ثم إن الأمانة التي تحملها النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن لتترك له فرصة أن يستمتع بحياته كمااستمتع الآخرون.
واللآئي تزوجهن الرسول صلى الله عليه وسلم كلهن باستثناء عائشة سبق لهن الزواج ،فلو كان يبغي الشهوة والجمال لتزوج الحسان ،وهو نبي الأمة !!
والقارئ لقصة زواجه ليعلم أنه ما تزوج لشهوة ،وإنما كان تخفيفًا عن اللائي تزوجهن،وحفاظا عليهن من صروف الزمان .
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله :
انطلقت هذه الشائعة بين الأوروبيين حتى كادت تكون بينهم يقينًا! قالوا: كان لمحمد تسع نسوة يتقلب في أحضانهن ويشبع شبابه المنهوم، لا يسأم من واحدة حتى يتجدد هواه مع أخرى.. وقالوا: إن ساغ ذلك لواحد من الناس فما يسوغ من داع إلى الروحانية يصل الناس بالسماء، ويحدثهم عن الله والدار الآخرة!.
إن هذا العشق المشبوب للمرأة له دلالة واسعة، فالرجل رجل دنيا وليس رجل دين، وما نصدق مزاعمكم معشر المسلمين عن تجرده وتقواه.
قلت: إذا كان ما قلتموه صحيحًا فما استنتجتموه حق! لكن هذا الذي ذكرتم لون من تحريف الكلم عن مواضعه يجعله أدنى إلى الكذب.. إن تاريخ محمد من ألسنة العدو والصديق يشهد بغير ما ذكرتم، فقد تزوج في الخامسة والعشرين من عمره بامرأة في الأربعين من عمرها، وظل معها وحدها قريبًا من ثمان وعشرين سنة حتى ماتت فأين هذه المتع التي تصفون؟.
عندما كان في الأربعين من عمره كانت شيخة في الخامسة والخمسين، وعندما كان في الثالثة والخمسين كانت تقترب من السبعين فأين الحسناوات اللاتي يتنقل بين صدورهن كما تزعمون؟ وهو كما يقرر العدو قبل الصديق لا يعرف إلا الوفاء للسيدة العجوز التي قضى معها شبابه كله.
ثم ماتت زوجته خديجة في عام أطلق عليه عام الحزن، فاستقدم إلى داره امرأة تقاربها في السن هي التي هاجرت معه إلى المدينة..
وصحيح أنه في السنوات العشر الأخيرة من حياته اجتمعت لديه نسوة أخريات! من هن؟ مجموعة من الأرامل المنكسرات أحاطت بهن ظروف صعبة، لم يشتهرن بالجمال ولا كان لهن من السن المبكرة ما يحدد الحياة اللهم إلا بكرًا واحدة بنت صديقه أبي بكر تزوجها توثيقًا لعلاقاتهما. وتزوج بعدها حفصة بنت صديقه عمر، ولم تعرف بجمال، بل بدا أن البناء بها بعد موت زوجها كان جبر خاطر ودعم مودة وجهاد!!..
وتزوج أم حبيبة المهاجرة إلى الحبشة، إنه لم يرها هناك بيد أنه يعرف إسلامها برغم أنف أبيها زعيم المشركين يومئذ، وبقاءها على الإسلام برغم أنف زوجها الضائع فهل يتركها في وحشتها وعزلتها؟ لقد أرسل يخطبها ويعز جانبها.
وكلما أحاطت ظروف سيئة بامرأة ذات مكانة، ضمها إليه، وما كان للشهوة موضع يلحظ، وأدركت النسوة القادمات هذه الحقيقة، وعرفن أن هذا الوضع فوق طاقة الإنسان العادي، فعرض بعضهن في صراحة أن يبقى منتسبًا للبيت النبوي مكتفيًا بهذا الشرف، ومتنازلاً عن حظ المرأة من الرجل، فإن الرسول آواهن مستجيبًا لنداء إنساني لا لبواعث الغريزة! أين مكان الغريزة والحالة على ما شرحنا؟
وفي استبقاء أولئك الزوجات على ما ارتضين نزلت آيات كريمة. منها قوله تعالى: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحها بينهما صلحًا. والصلح خير" ومنها قوله "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء. ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك. ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن..".
إنه لا يستطيع إلا ذلك، فإن دوافع الشهوة كانت ميتة وراء هذا التعدد الذي فرضته أزمات أحاطت ببعض المؤمنات العريقات..
ولنفرض جدلاً أن الإعجاب بالجمال هو الذي أوحى بتزوج بعضهن، أفكانت أيام الحصار المضروب على الدعوة، والأزمات الخانقة التي يتعرض لها المسلمون عامة، وأهل البيت النبوي خاصة، تيسر للمؤمنين ونبيهم طعم الراحة؟ ما أشقى ربات البيت عندما يكون رب البيت أبًا لأمة كبيرة وملاذًا للمستضعفين واللاجئين وناشدي العون في الصباح والمساء، إنه يؤثر غيره بما لديه ويبيت هو واللاتي معه – على الطوى..
روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله –صلى الله عليه وسلم-..
وعند مسلم قالت عائشة: لقد مات رسول الله وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين..
وعند الترمذي، قال مسروق: دخلت على عائشة فدعت لي بطعام وقالت: ما أشبع فأشاء أن أبكي إلا بكيت! قلت: لم؟ قالت: أذكر الحال التي فارق عليها رسول الله الدنيا! والله ما شبع من خبز ولحم مرتين في يوم!
وعند البيهقي قالت: ما شبع رسول الله ثلاثة أيام متوالية،
[/size]