يستبد بي الفضول كلما فعلت فعلا من شأنه أن يغضب أبي.. كنت أنتظر ردات فعل أبي بخوف ممزوج بفضول يثير عجبي .. في المرة الأخيرة سرقت مفتاح السيارة و هو نائم ثم انطلقت أجوب بها شوارع القاهرة مع أحمد صديقي الصدوق و نحن ندخن سجائر المارلبورو التي ارتفع سعرها في الآونة الأخيرة .. لم يكن يعنينا ارتفاع سعرها بقدر ما يعنينا أن نستمتع قدر الإمكان ، نحن شباب و لابد لنا من التمتع بحياتنا لأننا لن نعيشها سوى مرة واحدة .. رغم أن هذه وجهة نظر يرفضها كلا والداي بيد أني غير مهتم على الإطلاق فماذا تسمي هذه الحياة التي كلها مذاكرة و نوم و طعام و حمام
كتلك التي يحياها شقيقي وائل الذي يريد أن يدخل كلية الهندسة و يلقى تشجيعا غير عادي من أبواي .. أما عني فكنت لا ألقى سوى اللوم و التوبيخ و الضرب أحيانا و الحرمان من المصروف كثيرا نتيجة أفعالي – الحمقاء على حسب زعمهما – التي لا يرضيان عنها .
عدت بعد سرقة السيارة و أنا أعلم أني سأتلقى عقابا موجعا من أبي بمجرد دخولي من باب الشقة.
دخلت لأجد أبي جالسا على الكرسي قبالة أمي التي ما إن رأتني حتى انقلبت ملامحها فزعة متوترة .. قامت و اتجهت نحوي مهرولة ثم قالت :- أين كنت يا بني ، لقد قلقنا عليك كثيرا
سددت لها نظرة ذات معنى فقالت :- أبوك غاضب منك للغاية .
قام أبي من مكانه كأنه جمل أورق ثم اتجه إلي في خطوات قصيرة ثابتة .. قلت له مرتبكا :- هذه آخر مرة ولن... قطع كلامي الصفعة التي هوت على وجهي فأطرقت برأسي إلى الأرض بينما أمي تنظر إلي في إشفاق.. صفعة أخرى على الجانب الآخر جعلتني أحس بفقداني لكرامتي و لذاتي فنظرت له في غل .
قال ببطء:- عليك اللعنة لما هذه الأفعال الشيطانية أنت لا تجيد القيادة و لا تمتلك رخصة.
قلت :- هذه أفعال شباب و....
صرخ مقاطعا إياي :- اخرس يا سافل
ثم أمسكني من ياقة قميصي مستطردا:- أنت كتلة مجسدة من التفاهة و الوضاعة ليتني لم أنجبك .
قلت بعناد :- و أنا لم أكن أريد المجيء إلى هذه الدنيا
قال و يده تعتصر ياقتي:- ليتك كوائل يقضي أيامه و لياليه في المذاكرة من أجل أن يشرف الأسرة التي تبذل في سبيل تعليمه الغالي و الرخيص
قلت :- أنا لم أبلغ السابعة عشر بعد
قال و هو يترك ياقتي و يدفعني لأرتطم بالحائط :- معادن الرجال تظهر منذ صغرهم
قلت:- أنت الذي تمنعني من قيادة السيارة
قالت والدتي محاولة تهدئة الوضع
:- أنت صغير و والدك يخاف عليك
نظر لها نظرة غاضبة ثم قال :- اخرسي و لا تتدخلي
اتجهت نحو الأريكة و ألقيت جسدي عليها قائلا :- طلباتك
قال بصوت متحجرش من أثر السجائر التي يشربها :- يا لك من صفيق ، قف عندما يحدثك والدك
أشحت بذراعي فصرخ :- ادخل غرفتك و اترك مفتاح السيارة و الرخصة
أخرجت من جيبي المفتاح و الرخصة و وضعتهما على الأريكة فقال :- أنت تعيد الثانوية العامة لأنك رسبت السنة الماضية آمل ألا تنسى ذلك.
ثم استطرد بتوحش :- و الله لو رسبت هذه السنة فسيكون مأواك الشارع .
دخلت غرفة النوم و أغلقت الباب فوجدت وائل جالسا على المكتب منهمك في المذاكرة.
قلت له بقرف:- اللعنة على والدك
نظر إلي و قال مبتسما :- دائما متمرد
قلت بحنق:- إنه كالثور الهائج
قال بتعقل:- تصرفاتك مجنونة
قلت :- و أصدقائي كذلك لكن لاأحد من أهليهم يعاملهم بهذه القسوة
قال:- لا تعلم ما في داخل البيوت ناهيك أن طبائع الناس تختلف
قلت :- طبع والدك بهيمي فظ
قال:- هو والدك فحاول أن تسامحه فلا يهمه إلا مصلحتك
قلت:- غضبه دائما يسبق حلمه
قال :- عليه من الضغوط الكثير
قلت :- و ما ذنبي أنا
*****
متمرد عنيد أنا .. تلك هي الحقيقة المطلقة التي لا تقبل الجدال.. صرخت والدتي و أرغت و أزبدت و لكن دون جدوى.
قالت في النهاية :- أنا لا دخل لي بتصرفاتك، بمجرد خروجك سأعلم والدك في العمل .
قلت و أنا أرتدي حذائي :- افعلي ما يحلو لك
قالت:- ألا تخاف من غضبه ، لقد أمرني بعدم خروجك
قلت :- لا يهمني