[size=24[color=red][size=[color=red]18[color=darkred][size=24]]]الجزء الثالث :
دلال مريضة
مرت السنوات و أصبحت مها في الثالثة من عمرها ..
كانت زهرة تملأ البيت عبقا و عبيرا و أنسا ..
و كانت أمها تملأ البيت إيمانا و ذكرا ..
فما أحلى هذا البيت الذي أسس بنيانه على تقوى من الله ..
تملأه السعادة و الطمأنينة .. و يخرج منه الخير و البر ..
حتى أحبه القريب و البعيد ..
و الغني و الفقير ..
ذات يوم .. كانت مها تسير مع أمها في المستشفى .. فسمعوا امرأة تتأوه من الألم .. فسألت مها والدتها عن هذا الصوت ..
فأخبرتها بأنها امرأة مريضة تتوجع .. فأخرجت صغيرتي من شنطتها الصغيرة "ريالا" و ذهبت به إلى المرأة المريضة ثم أعطتها إياه و قالت لها : " يا عمة قولي بسم الله علشان يطيب !! " ...
فذهلت المرأة المريضة من صنيعها ..
فضمتها إليها .. غير أن صغيرتي بكت من الخوف ...
فما أحلاك يا حبيبتي مها .. لقد كنت داعية بتصرفاتك الإيمانية في كل ميدان ..
و حق لي أن اسميها الداعية الصغيرة ...
في أحد الأيام فجعتنا دلال بسقوطها متعبة و هي تؤدي عملها المنزلي ..
أخذناها إلى المستشفى سريعا و لم يكن في الاسعاف إلى أحد الاطباء فرفضت زوجتي أن يكشف عليها رجل مهما كلفها الامر .. كنت أوافقها في إصرارها هذا .. لكن التعب و المرض جعل من وجهها المضيء وجها شاحبا شديد الاصفرار ..
و مع كل دقيقة تمضي .. تزداد حالتها سوءا و يزداد وجهها اصفرارا ..
فألححت عليها بأن يكشف عليها الطبيب و أنا معها .. فحالتها حالة ضرورة و لا تحتمل التأخر ..
فرفضت رفضا قاطعا ثم رفعت يديها إلى السماء و قالت : " اللهم يسر أمري و أكتب الخيرة في عاجل أمري و آجله " ..
رضخت لأصرارها و بقينا ننتظر الطبيبة ..
فما هي الا لحظات قليلة حتى طرق الباب و دخلت الطبيبة ..
بقيت أنا و مها بالخارج ننتظر ما تقوله الطبيبة .. كنت أتأمل في رحمة أرحم الراحمين سبحانه و كيف سخر لها هذه الطبيبة بهذه السرعة العجيبة و أقول في نفسي " صدقت مع الله فأعانها الله " ..
إلتفت إلى صغيرتي مها فأصابني الهول لما رأيت دموعها تجري على خدها ..
سألتها بسرعة : " مها وش فيك حبيبتي " ...
فرفعت يداها إلى السماء و قالت : " يا رب اشف ماما " ...
لقد حفر منظرها و هي ترفع يديها و تنظر بعينيها إلى الأعلى و الدمع يسيل على خدها أثرا في قلبي ما أحسبه سيندمل ..
لقد علمتني تلك الصغيرة دروسا في حياة القلب مع الله .. و حياة القلب مع من نحب ..
علمتني كيف أنصح المخطئ و أساعد المحتاج و أعطف على المريض ...
قبلتها و قلت : " يارب لا تحرمني من مها " ..
خرجت الطبيبة من عند دلال فركضت مها إلى أمها لتضمها و تطمئن عليها ..
أخبرتني الطبيبة أن دلال ستمكث في المستشفى لعدة أيام .. و بعد التحاليل ربما تكون هناك إجابة أكثر دقة ..
عندما كنت عند دلال في صباح اليوم التالي استدعاني أحد الأطباء ..
كان يكلمني بطريقة رسمية جدا و لا أثر للابتسامة على وجهه .. فعرفت أن الأمر خطير ..
حاولت أن آخذ منه أكثر فلم يجبني إلا بـ " كل شئ بيد الله " ..
مرّ يومان فتطور المرض شيئا فشيئا حتى أدخلت دلال غرفة العناية المركزة ..
ثم دخلت في غيبوبه و لم تفق منها إلا بعد ثلاثة أيام ..
ثم ساءت حالتها مرة أخرى و عادت في غيبوبتها ..
ثم أمضت عزيزتي دلال في العناية المركزة ثلاثة أشهر ..
و كانت كلما تفيق توصيني بمها و أن أهتم بنفسي و تطمئنني على نفسها .. ثم ما تمضي سويعات حتى تعود إلى غيبوبتها ..
ثم بعد هذه الثلاثة أشهر .. غادرتنا حبيبتي و تركتنا في دنيا الآلام ..
كم كانت أياما عصيبة مؤلمة لم يسبق لي أن مررت بمثلها ..
فدلال ماتت !!!!
كيف أعيش بدون دلال التي كنت أفتقدها لو غابت عني لحظة ؟
كيف أعيش في بيت غابت عنه من كانت تملأه بالذكر لربها و الود لزوجها وابنتها ؟
أين سأرى تلك اللمسة الحانية و الابتسامة المفرحة و نظرة العتاب بكل حب و ود و صفاء ؟
لا أدري يوم أن دفنتها .. أدفنتها هي أم دفنت قلبي و روحي !! ...
أحداث متقطعة .. أعي بعضها و بعضها يكون خارجا عن إرادتي ..
لم أصدق الخبر حتى أفهمنيه الواقع الذي عشته بعد فقدها ....
عدت من المقبرة كسير البال أبك الدم قبل الدمع وأردد
إنا لله و إنا إليه راجعون ..