سئمت من اولئك الذين يدندنون عن الحب ، ويتفاخرون به وهم اصلا لم يعرفوه .. وفاقد الشيء لا يعطيه كما يقال ، وكيف لا اسئم منهم والحب الذي يتغنون به حب مزيف منكر ، فهو احد اثنين اما ان يكون شهوة عارضة نمت عن اطلاق للبصر على ما حرم الله يزينها صاحبها ، ويغلفها بغلاف الحب ليقضي ماربه و يطفيء نار شهوته ، واما ان يكون تعلقا اسبابه تتشابه واسباب الاول ما يلبث ان يذوب وسط تحديات الحياة او تنغصاتها ، وان دام فانه ان لم يتوج بوصل الحبيب ومحبوبه ينقلب وبالا على المتعلق منهما ان لم يكن كلاهما كمثل قصص مضت عرفناها وتمنينا لو اننا لم نسمع بها لما تحويه من المرارة والغصة لفقد الحبيب او غيابه او انه لا يبادل من يحبه نفس المشاعر كقيس وليلى ، وجميل بثينة ، وعبلة وعنتر ..الخ .
اما الحب الحقيقي فهو حب خاص ليس كل احد يقدر عليه ، او يمتلكه ، انه حب قلبي خالص ، لا تشوبه شهوات منحطة ، ولا احلام مستحيلة ..فهو بكل بساطة : حب .
قد يكون احدهم متلهف لمعرفة كنه هذا الحب ، ولونه .. فاليه اقول انه حب عادي ..فتى يسمع عن فتاة ، او يراها دون قصد منه وتعمد .. يسمع انها فتاة صالحة ، ونقية ، وتقية .. فتاة تحب الله ورسوله بارة بوالديها ، متحجبة ، قراءة للقران .. يسمع هذا فيتلهف فؤاده شوقا اليها ..الى ان تكون من نصيبه ، الى ان تكون زوجة وسكنا له ، واما صالحة لولده ، وحارسا امينا لعرضه ، وبيته ..
يحبها ، ولكن دون ان يتمنى ان يختلي بها على غرة من اهلها ، واهله يبادلها احاديث الغرام ، وقصص العشاق ، بل يريد ان يختلي بها وهي حلاله يبادلها آي القران ، وكلام الايمان .. يحبها ، ولكنه ان مر بطريق هي فيه تمشي او تقف لوحدها سواء كانت او مع أي احد من اهلها يسدل ستار عينيه وقوله تعالى ( قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازكى لهم ان الله خبير بما يصنعون ) يتردد بين جنبات صدره .. يحبها فلا يرضى ان يفكر فيها ؛ في جسدها ، وجسمانيتها كل .بل يفكر تفكيرا صالحا معتدلا بالطريقة ، والعمل الذي يخوله ان يطلب يدها اثره ( هذا ان كان مبتدئا لا مال ، ولا قدرة مادية )
يحبها .. ولكنه يقول في نفسه بعد ان يسالها : ما ذا لو لم تكن من نصيبي ؟ ولو تقدم اليها غيري فوافقت عليه ؟ .. فليكن ( قل لن يصيبنا آلا ما كتب الله لنا ) ، وهو مقدر فلا مفر منه فان حدث فهي اختي المسلمة كرامتها محفوظة ، ومنزلتها مصانة ...يحبها .. ولكن لا يتقرب اليها بالرسائل الغرامية التي مطلعها : ( احبكي حبا لو وزعته على اهل الارض لوسعهم ) ..فتردوحبي لو نفخت به بالونة لانفجرت !) ، او بالمحادثات التيلفونية التي فيها : ( آه ، صوتكي يا حبيبتي برد فؤادي ) ، وترد هي : ( وهل انا ثلاجة !!) ..لا بل انه يتقرب اليها بالدعاء .. الله !! الدعاء .. ذلك السلاح الذي قال فيه تعالى : ( ادعوني استجب لكم ) ، وقال : ( صلى الله عليه وسلم ) : ( الدعاء هو العبادة ) . يدعو الله ان تكون هي من نصيبه ، ولا يتعجل الاجابة ..يحبها ، ولكن ليس اذا ما راى ابيها صلى امامه واكثر حتى يظن فيه الصلاح ولله ما يخشع في ركعة ، ولا اذا ما راى اخوانها اكرمهم لعله ان ينال بهم شفاعة !! لا ، وانما هو عدل مع كل احد يرجو رحمة الله ، ويخاف عقابه . .. يحبها هكذا ، وبهذه الطريقة .. فلا ينشغل بها عن عبادة ، ولا يجعلها هما فتثقله عن المضي قدما في حياته او عن الطاعة ..هذا هو الحب الحقيقي .. هذا هو الحب الاصلي الذي لو سمع به قيس لقبل راس صاحبه وقال : ( هزمتني والله ) . انه حب له مميزات عدة ، فهو طاهر ، وصادق ، ومحتشم .. بدايته سلام ، ونهايته سلام ..
هكذا يجب ان يكون عندنا الحب ، وليس كما هو الان ، حب فاحش بل ان الفحش اتصور لا يوفيه حقه من الوصف . حب يقوم على الالم ، وعلى الضيق ، وعلى المشاكل ، وصدق الله العظيم حيث قال :
( ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ) .. فليكن حبكم يا من احببتم على هذه الشاكلة ، فعلى الاقل لن يصيبكم الجنون ولن يقال : ( مجنون فلانة ) ، ( ومخبولة فلان ) !!!
وليست هذه دعوة مني لفتح مهرجان عام للحب يتخير فيه كل شخص محبوبه ، ويشرع في هذه الاعمال ..لا ولكنها همسة في اذن كل من اخطا في فهم الحب الذي وقع فيه ( ان احسنت التعبير ) وفي اذن كل من اغترت بكلمة ( حب ) .. واخيرا لا انسى ان اذكركم باشرف انواع الحب ، واطيبه : ( الحب في الله ) حب لا يقوم على المصالح ، والشهوة ، وانما ( من هنا نبدا وفي الجنة نلتقي ) . قال فيه تعالى : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين ) .. فتخير يا اخي اخا لك صالحا مؤمنا ، وتخيري يا اختي اختا لكي صالحة مؤمنة .