مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن عبد القادر الرافعي
وينتهي نسبه إلى
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
وفد جده الشيخ عبد القادر من الشام إلى مصر في منتصف القرن الثالث عشر الهجري،
وعلى يده تخرج كبار علماء مصر.
أبصرت عيناه النور في
قرية بهتيم
(محافظة القليوبية – مصر) في أوائل المحرم من عام 1291 من الهجرة، الموافق يناير 1880 ميلادي.
عمل والده عبد الرازق رئيساً للمحاكم الإسلامية الشرعية في كثير من الأقاليم،
حتى عمل رئيساً لمحكمة طنطا الشرعية.
عرف عنه الشدة في الحق، والورع الصادق، والعلم الغزير.
أمه هي ابنة الشيخ الطوخي
من أصول حلبية،
وكان والدها تاجراً تسير قوافله ما بين الشام ومصر، وأقام في قرية بهتيم.
عج منزل والده بالعلماء من كل حدب وصوب، وزخرت مكتبة والده بنفائس الكتب،
وأتم حفظ القرآن قبل بلوغه العاشرة من عمره. انتسب إلى مدرسة دمنهور الابتدائية،
ثم انتقل إلى مدرسة المنصورة الأميرية،
التي حصل منها على
الشهادة الابتدائية وعمره آنذاك سبع عشرة سنة.
أصابه مرض لم يتركه حتى أضعف سمعه
وفي سن الثلاثين أضحى أصماً تماماً.
اضطره المرض إلى ترك التعليم الرسمي، واستعاض عنه بمكتبة أبيه الزاخرة،
إذ عكف عليها حتى استوعبها وأحاط بما فيها.
عمل في عام 1899 ككاتب محكمة في محكمة طخا،
ثم انتقل إلى محكمة طنطا الشرعية، ثم إلى المحكمة الأهلية، وبقي فيها حتى لقي وجه ربه الكريم.
في يوم الاثنين العاشر من مايو لعام 1937
استيقظ فيلسوف القرآن لصلاة الفجر، ثم جلس يتلو القرآن،
فشعر بحرقة في معدته، تناول لها دواء، ثم عاد إلى مصلاه، ومضت ساعة، ثم نهض وسار، فلما كان بالبهو سقط على الأرض، ولما هب له أهل الدار، وجدوه قد فاضت روحه الطيبة إلى بارئها، وحمل جثمانه
ودفن بعد صلاة الظهر إلى جوار أبويه في مقبرة العائلة في طنطا. مات مصطفى صادق الرافعي عن عمر يناهز 57 عاماً.
نظم الرافعي الشعر في بدايات شبابه، قبل بلوغه العشرين من عمره،
وأصدر ديوانه الأول في عام 1903 الذي كان له صدى عظيماً بين كبار شعراء مصر،
إذ كتب فيه البارودي والكاظمي وحافظ ابراهيم شعراً،
كما أرسل له الشيخ محمد عبده وزعيم مصر مصطفى كامل له مهنئين وبمستقبل باهر متنبئين
الرافعي في عام 1904 من ابنة عائلة البرقوقي من مدينة المنصورة، وعاش حياة زوجية نموذجية.
انقطع لتأليف كتاب تاريخ آداب العرب من منتصف عام 1909 إلى نهاية عام 1910 ليدخل به مسابقة الجامعة المصرية في تاريخ الأدب العربي، ثم طبعه على حسابه الخاص في عام 1911، وفي عام 1912 أصدر جزءه الثاني وعنونه إعجاز القرآن والبلاغة النبوية.
إصداره للجزء الثاني جعل الناس يعرفون ويتذوقون قدرة الرافعي على البلاغة وفنونها، وكتب له زعيم الأمة سعد زغلول مهنئاً إياه، ومعترفاً له بعلمه الغزير وأسلوبه منقطع النظير. آل الرافعي بعدها على نفسه أن يكون حارس الدين الإسلامي وحاميه، والمدافع عنه ضد أسباب الزيغ والفتنة والضلال، وانبرى يهاجم كل من تطاول على الدين الإسلامي واللغة العربية، وكل من اجترأ وسخر ونال منهما.
رحل في عام 1912 إلى لبنان، حيث ألف كتابه حديث القمر، وصف فيه مشاعر الشباب وعواطفهم وخواطر العشاق في أسلوب رمزي على ضرب من النثر الشعري البارع.
بعد وقوع الحرب العالمية الأولى، ونزوع المستعمر إلى تحويل كل خيرات البلاد لهذه الحرب، ما ترك أهلها ضحايا للجوع والفقر، ما جعل أرقام هؤلاء تزيد عن ضحايا الحرب ذاتها. نظر الرافعي حوله فرأى بؤساً متعدد الألوان، مختلف الصور والأشكال، فانعكس ذلك كله في كتابه كتاب المساكين. في عام 1924 أخرج كتاب رسائل الأحزان، عن خواطر في الحب، ثم أتبعه بكتاب السحاب الأحمر والذي تحدث فيه عن فلسفة البغض وطيش الحب. تلى ذلك كتابه أوراق الورد أسمعنا فيه حنين العاشق المهجور، ومنية المتمني وذكريات السالي، وفن الأديب وشعر الشاعر.
وجد الرافعي دعوة التجديد قناعاً للنيل من اللغة العربية مصورة في أرفع أساليبها (الشعر الجاهلي) وباباً يقصد منه الطعن في القرآن الكريم والتشكيك في إعجازه، ومدخلاً يلتمس فيه الزراية بالأمة منذ كان للعرب شعراً وبياناً. لذا ما أنفتأ يقاوم هذه الدعوة، جهاداً تحت راية القران، يبتغي به وجه الله تعالى، فجمع في كتابه
تحت راية القرآن كل ما كتب عن المعارك التي دارت بين القديم وكل ما هو جديد، ما جعله أفضل الكتب العربية في النقد ومكافحة الرأي بالرأي، ما جعله أعلى كتبه مكانة بعد رائعته وحي القلم.
في عام 1934 بدأ الرافعي يكتب كل أسبوع مقالة أو قصة، ليتم نشرها أسبوعياً في مجلة الرسالة، والتي أجمع الأدباء والنقاد على أن ما نشرته الرسالة لهو أبدع ما كتب في الأدب العربي الحديث والقديم، جمع أكثرها في كتاب وحي القلم.
وقد كان للرافعي مقام كبير بين أدباء عصره، وهذه جمل من أقوالهم فيه:
يقول محمد عبده : أسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفاً يمحق الباطل وأن يقيمك في الأواخر مقام حسان مع الأوائل.
وقال: سعد زغلول عن كتابه إعجاز القرآن ' بيان كأنه تنزيل من التنزيل أو قبس من نور الذكر الحكيم'.
أما العقاد فقال : إنه ليتفق لهذا الكاتب من أساليب البيان ما لا يتفق مثله لكاتب من كتاب العربية في صدر أيامها
وقال عنه أحمد زكي باشا الملقب بشيخ العروبة: لقد جعلت لنا شكسبير كما للإنجليز شكسبير وهيجو كما للفرنسيين هيجو وجوته كما للألمان جوته.
حبُّ المرأةِ
أ. مصطفى صادق الرافعي
إنَّ المرأة لا تحبُّ إلا رجلاً يكون أوّل الحُسنِ فيه حُسن فهمها له، وأوّل القوّة فيه قوّة إعجابها به، وأوّلُ الكبرياء فيه كبرياؤها هي بحبَّه، وكبرياؤها بأنّه رجل، هذا هو الذي يجتمع فيه للمرأة اثنان، إنسانُها الظريف، ووحشُها الظريف.
إنَّ البناء كأنّما يحيا بروح المرأة التي تتحرّك في داخله، وما دام هو الذي يحفظها للرَّجل، فهو في عين الرّجل كالمطرَف تلبسه فوق ثيابها من فوق جسمها، وانظر كم بين أن ترى عيناك ثوب امرأة في يد الدّلالِ في السُّوقِ، وبين أن تراه عيناك يلبَسها وتلبسُه؟
المرأة تحتاجُ طبيعتها أحياناً إلى مصائب خفيفة، تؤذي برقَّة، أو تَمُرُّ بالأذى من غير أن تلمَسَها به، لتتحرَّك في طبيعتها معاني دموعها من غير دموعها، فإن طال ركود هذه الطبيعة، أوجدت هي لنفسها مصائبها الخفيفة، فكان الزَّوج إحداها!
كلام من ذهب
أ. مصطفى صادق الرافعي
المرأةُ وحدها هي الجوُّ الإنسانيُّ لدار زوجها.
فواحدةٌ تدخلُ الدار، فتجعلُ فيها الروضة ناضرةً متروّحة باسمة، وإن كانت الدارُ قحطة مسحوتة ليس فيها كبيرُ شيء.
وامرأةٌ تدخلُ الدَّارَ فتجعلُ فيها مثل الصحراءِ برمالها وقيظها وعواصفها، وإن كانت الدار في رياشها ومتاعها كالجنَّة السُنْدُسية.
وواحدةٌ تجعل الدار هي القبرُ!
إنّ عُمرَ الزَّوجة لو كان رقبة، وضُربتْ بسيفٍ قاطعٍ لكان هذا السيف هو الطلاق.
وهل تعيشُ المطلَّقة إلا في أيامٍ ميتةٍ؟ وهل قاتلُ أيّامها إلا مُطَلِّقها؟
..هؤلاء قومٌ لا يَرَوْنَ فضائلهم فضائل، ولكنّهم يرونها أمانات، قد ائتمنوا عليها من الله، لتبقى بهم معانيها في هذه الدنيا، فهم يزرعون في الأمم زرعاً بيدِ الله، ولا يملكُ الزرعُ غير طبيعته.
كثيراتٌ يخشينَ العارَ، وسمَته الاجتماعيّة، ولكنْ خشيةَ فقهاءِ الحيل الشرعية؛ قد أرصدوا لكلِّ وجه من التحريم وجهاً من التحليل، فأصبح امتناع الإثم هو ألاّ تكونَ لها حاجةٌ.
هذه المدينةُ ستنقلبُ إلى الحيوانية بعينها، فالحيوانُ الذي لا يعرفُ النَّسَبَ لا تعرفُ أنثاه العِرضَ.
وهل كان عبثاً أن يفرض الدِّينُ في الزَّواج شروطاً وحقوقاً للرَّجُل والمرأةِ والنَّسْلِ؟
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أ. مصطفى صادق الرافعي
إنَّ مَلَكَ الوحي ينزلُ بالأمر والنهيِّ ليُخضِعَ صولة الأرض بصولة السماء، فإذا بقي الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر بقيَ عملُ الوحي، إلا أنّه في صورة العقل، وبقيتْ روحانيّةُ الدنيا، إلا أنّها في صورة نظامٍ. وكان مع كلِّ خطأ تصحيحه، فيصبحُ الإنسانُ بذلك تنفيذاً للشريعة بين آمر مطاع، ومأمور مطيع، فيتعاملُ معه النّاسُ على حالةٍ تجعلُ بعضهم أستاذاً لبعضٍ، وشيئاً منهم تعديلاً لشيء،ٍ وقوةً سنداً لقوّةٍ، فيقومُ العزمُ في وجه التهاون، والشدةُ في وجه التراخي، والقدرةُ في وجه العجز، وبهذا يكونون شركاء متعاونين، وتعودُ صفاتُهم الإنسانيّةُ وكأنّها جيشٌ عاملٌ يناصرُ بعضه بعضاً، فتكونُ الحياةُ مفسَّرةً ما دامتْ معانيها السامية تأمر أمرَها، وتُلهمُ إلهامَها، وما دامتْ ممثَّلة في الواجب النافذ على الكلِّ.
والناسُ أحرارٌ متى حكمتْهُم هذه المعاني، فليستْ حقيقةُ الحريّة الإنسانيّة إلا الخضوعَ للواجب الذي يحكمُ،
وبذلك لا بغيره يَتَّصلُ ما بينَ الملك والسُّوقَةِ، وما بينَ الأغنياء والفقراءِ، اتصالَ الرّحمةِ في كلِّ شيءٍ، واتصالَ القسوةِ في التأديب وحدَه
أسلحة النفس
أ. مصطفى صادق الرافعي
إنَّ لله عباداً استخصّهم لنفسه، أولُ علامته فيهم أنَّ الذُلَّ تحت أقدامهم، وهم يجيئون في هذه الحياة لإثبات القدرة الإنسانية على حكم طبيعة الشهوات، التي هي نفسها طبيعة الذُّلِّ.
فإذا اطرح أحدهم الشهوات، وزَهَد فيها، واستقامَ على ذلك في عقد نيّةٍ، وقُوٍّة إرادة، فليس ذلك بالزَّاهد كما يصُفه النّاسُ، ولكنّه رجلٌ قويٌ، يحمل أسلحة النفس في معاركها الطاحنة، كما يحملُ البطل الأروعُ أسلحة الجسم في معاركه الدامية، هذا يُتعلَّمُ منه فنٌّ، وذاك يُتعلَّمُ منه فنٌّ آخر، وكلاهُما يُرمى به على الموت لإيجاد النوع المستعزِّ من الحياة، فأوّلُ فضائِلِه الشعورُ بالقوّة، وآخر فضائله إيجاد القوّةِ.
(
(
(