المصرى اليوم 27/11/2008 الصفحة السادسة
اللاوندى
: المناصب السياسية أصبحت حلم رجال الأعمال وعمار علي حسن: (الظاهرة) تحول التاجر الي حاكم أن تكون رجل أعمال ناجحاً ربما يكون ذلك أقصى أمانى الكثير منا، وأن تكون رجل سياسة ناجحاً فهذا حلم يراود الكثيرين أيضاً، لكن ماذا لو تحقق الحلمان معا، وأصبحت أحد أهم رجال الأعمال فى مصر، وفى الوقت نفسه أحد أهم الأقطاب السياسية التى من شأنها أن تلعب دوراً فى صناعة القرار السياسى.هذا الوضع لم يعد مجرد حلم، بل تحول إلى واقع تشهد عليه قبة البرلمان، حينما صعد نجم بعض رجال الأعمال وتولوا مناصب سياسية جعلتهم يشاركون فى صناعة الكثير من القرارات السياسية تحت مظلة المال والسلطة.
أكد عدد من الخبراء والمحللين السياسيين أن هذه الظاهرة جديدة على المجتمع، وهى نتاج حالة الفساد الأعظم التى تعيشها مصر فى تلك المرحلة، مشيرين إلى أن استمرار الظاهرة ينذر بكارثة تهدد الأمن القومى. يقول الدكتور عمار على حسن، أستاذ الاجتماع السياسى ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط: (اعتدنا أن نسمع أن المنصب هو الطريق الأسهل للثروة، لكن ما يحدث فى مصر فى الفترة الأخيرة جعلنا نعيد التفكير فى تلك المقولة، حيث إن أصحاب الثروات أصبحوا يسعون للحصول على مناصب سياسية مهمة مستغلين فى ذلك ثرواتهم الطائلة، للوصول إلى مقاعد البرلمان، وبعدها بدأوا يظهرون فى مقدمة صفوف الحزب الحاكم) ويضيف: فى إطار الخلط بين حزب الحكومة وحكومة الحزب أصبحنا أمام ظاهرة جديدة هى أن بعض رجال الأعمال الذين تسللوا إلى مناصب سياسية أخذوا يتطلعون إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال السعى وراء الحصول على مناصب وزارية، وقد تحقق هذا بشكل لم يسبق له نظير منذ عهد نظارة نوبار باشا فى القرن التاسع عشر، فقد كان رجال الأعمال فى هذه الفترة مهتمين بأعمالهم وتجاراتهم، أما السياسة فكانت تعتمد فى المقام الأول والأخير على رجال الأحزاب، لكن عهد وزارة الدكتور نظيف خرج علينا بنظام لم نعهده من قبل، مشيرا إلى أن حالة التقارب بين المهندس عثمان أحمد عثمان والسادات لم تصل إلى حد التوحش الذى يحدث الآن بين رجال الأعمال والسلطة ويتابع: كان هذا الرجل يستفيد من قربه للسلطة، وكانت السلطة تعول عليه أيضا فى بناء بعض المشروعات، لكنه لم يتدخل فى القرار السياسى، أما الآن فنحن لدينا رجال أعمال فى عصب السلطة التنفيذية، وهنا تكمن الخطورة :الزواج غير المقدس بين السلطة والمال من شأنه أن يحول التاجر إلى حاكم، والحاكم إلى تاجر، وإذا ظلت الأوضاع على حالها فإن مصر ستتحول خلال السنوات المقبلة إلى مجموعة شركات، وهذا ينذر بكارثة مؤكدة تهدد الأمن القومى، خصوصاً أن رأس المال جبان ولا يهتم بمصالح البلد أو مستقبله وإنما يضع مصالحه الشخصية فى المقدمة. ووصف الدكتور سعيد اللاوندى، خبير العلاقات السياسية والدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العصر الذى تعيشه مصر الآن بأنه عصر الفساد الأعظم، قائلا : زواج المال والسلطة أحد مظاهر الفساد الذى تغلغل فى المجتمع منذ فترة طويلة، إلى حد أصبح فيه مجتمعنا لا يكرم إلا السارق واللص والمتآمر، وأعتقد أن هذه كارثة حقيقية.وأضاف: لم يعد الهدف الذى يسعى له رجال الأعمال الآن هو الثروة والأملاك، لكن أصبحت المواقع السياسية الاستراتيجية هى أقصى أحلامهم، ولم يحدث أن شهدت مصر هذه الظاهرة من قبل. وتابع: إذا نظرنا إلى الأسلوب الذى اتبعه الرئيس الأمريكى الجديد باراك أوباما عندما قرر تشكيل لجنة سياسية توكل إليها مهمة إنقاذ الاقتصاد الأمريكى سنجد أننا بحق نعيش عصر الفساد الأعظم بامتياز، فقد شكل (أوباما) اللجنة من مجموعة تضم خبراء وأساتذة وأكاديميين متخصصين فى الاقتصاد، أما نحن هنا فالأولوية دائما فى الاختيار تكون بناء على العلاقات الشخصية والمصالح المتبادلة والمجاملات. ويرى اللاوندى أن تلك المرحلة لا يمكن التكهن بميعاد انتهائها، مشيراً إلى أن زواج السلطة والمال أصبح ظاهرة مرضية تشبه البثور التى تتناثر على وجه المريض. وفى السياق نفسه، يرى الدكتور وحيد عبد المجيد، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن علاقة السلطة والمال فى مصر مرت بمرحلتين: الأولى كانت الثروة فيها تابعة للسلطة وكان على من يرد أن يحصل على ثروة أن يصل إلى أحد مناصب السلطة. وقال: ملامح المرحلة الأولى بدت واضحة من خلال قيام الدولة بصناعة مجموعة من رجال الأعمال عن طريق دعمهم بوسائل مختلفة، منها منحهم مساحة شاسعة من الأراضى بأسعار مخفضة، مما حقق لهم مكاسب بالمليارات، أما المرحلة الثانية فتضم مجموعة من رجال الأعمال لم تصنعهم الدولة، لكنهم صنعوا أنفسهم ووجدوا أن الارتباط بالسلطة هو الطريق الوحيد لتعظيم ثرواتهم، وهؤلاء دخلوا لعبة السياسة لكن بأرضية قوية