مفكرة الإسلام : عندما فشلت الحملة الصليبية الثامنة على بلاد الإسلام بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا ووقع نفسه في الأسر ودفع فدية عظيمة من أجل فك أسره أيقن الصليبيون وعلى رأسهم لويس نفسه أنه لا سبيل للانتصار على المسلمين عن طريق القوة الحربية لأن تدينهم بالإسلام يدفعهم للمقاومة والجهاد وبذل النفس في سبيل الله لحماية دار الإسلام وعرفوا أن عقيدة المسلمين مصدر قوتهم فكتب لويس التاسع وصيته التي جعلته قديساً في عيون الصليبيون يدعو فيها لإيجاد سبيل آخر لغزو المسلمين عن طريق دراسة ثقافتهم الإسلامية واتخاذ ذلك وسيلة وسبيلاً للطعن في دينهم بإثارة الشبهات وتزييف عقائد المسلمين ومن ثم ظهر الغزو الفكري للمسلمين وظهرت تيارات التغريب والاستشراق ,ولقد عمل الصليبيون على نشر التيارات الفكرية العلمانية والإلحادية في بلاد المسلمين عن طريق المدارس الأجنبية والإرساليات التبشيرية التي صارت محضناً لكل فرخ إلحاد يريد أن يريس في طعنه على الإسلام , ولقد حرص المستشرقون على كسب الأنصار واتخاذ التلاميذ والأتباع ممن يتسمى بأسماء المسلمين وينطق بلسانهم ليكون كالببغاوات في ترديد الأباطيل والمفتريات على الإسلام وافتعال معارك حول عقائده وآدابه وكل ما يتعلق بالدين لتعميق ما يروجون له وتشكيك الناس في دينهم واقفين بكل ثقلهم وراء أذنابهم من المسلمين ليكون خير من يقوم بتلك المهمة القذرة نيابة عنهم وصاحبنا الذي ليس لنا بصاحب في هذه الصفحة هو صنيعة الاستشراق الذي روج لأفكارهم وصار خير من يمثلهم حتى فاق أساتذته من الغرب في الطعن في الدين وهم كفاؤه بأن خلعوا عليه صفات وألقاب ضخمة تفتن سامعها وتضلله عن حقيقة صاحبها ولكثرة من فتن به وجب علينا بيان حاله وآراءه ودوره الهام الذي قام به من أجل هدم الإسلام في بلاد الإسلام .
نشأته :
ولد طه حسين سنة 1307 هـ بقرية الكيلو التابعة لمغاغة بمحافظة المنيا في صعيد مصر في أسرة كبيرة يبلغ تعدادها ثلاثة عشر ولداً وبنتاً من اخوته أصيب في صغره بحمى أفقدته بصره وهو في السادسة وهو صغير أثناء تناوله الطعام مع اخوته فضحكوا عليه فترك أثراً في نفسيته غائراً جعلته يحاول وبكل قوته السخرية من الآخرين ونقدهم وتشويههم .
حاول أبوه كعادة أهل البلاد وقتها تحفيظه القرآن على يد أحد المحفظين ولكنه فشل عدة مرات وازداد بغضاً لمن حوله خاصة كل من كان له علاقة بالدين والقرآن لفشله السابق حتى أنه حاول الانتحار وهو في العاشرة من عمره مما يبين لنا الحالة النفسية المعقدة المملوءة بالغضب والحقد على الآخرين وخاصة أهل الدين والقرآن منهم مما عد بذلك تربة صالحة للشيطان وأعوانه أن يبذروا فيها ما شاءوا من الشك والريب , ورغم صغر سن طه حسين إلا أنه أظهر مكنون صدره عندما جهر بسب ونقد معلمه القرآن ثم السخرية من إمام مسجد قريته وكل الرموز الدينية في قريته .
رحلته في الأزهر :
أرسله والده لتلقي علومه بالأزهر كما هي عادة أهل البلاد وكان أخوه الكبير الشيخ أحمد قد سبقه لذلك فالتحق طه حسين بالأزهر دخله وهو مشحون بالكره والبغض لكل ما هو ديني ومصري وشرقي ووجد نفسه أمام أكبر رمز من رموز الإسلام فانتقلت معركته الصغيرة مع معلمه القرآن وإمام المسجد إلى ثلة من علماء الأزهر يقول عن نفسه أنه قد احتقر العلم ! منذ أول يوم سمع فيه درساً من مشايخ الأزهر .
اضطرمت ثورة الحقد والغيظ والغل في نفس طه حسين بعد أن اطلع على مزيد من العلوم في الأزهر وقرر خوض المعارك في قريته ببعض ما تعلم فأثار المشاكل في قريته عندما عاد في الإجازة وساعده على ذلك انتشار الجهل في قرى الصعيد وقتها وانتقم من أهل قريته كما وعد نفسه وشيطانه .
عندما بلغ طه حسين أولى مراحل الشباب وهذه المرحلة بطبعها تتسم بالتمرد والسخط على كل شئ بالنسبة لعامة الناس فما بالنا بشخص مثل طه حسين فعمل منذ دخوله الأزهر على نقد أساتذته ومدرسيه وعيبهم وبالأخص من يحبهم الطلبة فاكتسب بذلك عداوة الجميع في الأزهر علماء وطلاب وكل يوم يزداد بمشايخه إزدراءاً وطعناً حتى قرر التحول من دراسة العلوم الشرعية إلى دراسة الأدب ولكنه كان صاحب شخصية معقدة موتورة ضد الجميع فزاد نقده للجميع فأمر شيخ الأزهر بطرده وتسقيطه في الامتحانات فخرج منه مذموماً مدحوراً .
دخوله الصحافة :
ذاع نجم طه حسين كما أراد لنفسه بالنقد والطعن في رمز الدين الأزهر والتقطه أحد دعاة التغريب وقتها أحمد لطفي السيد الملقب زوراً بأستاذ الجيل وفتح له صفحات جريدته ليشن فيها طه حسين هجوماًً شرساً على الأزهر وعلماؤه وشيخ الأزهر نفسه ويمهد أحمد لطفي له السبيل لدخول الجامعة المصرية القديمة التي أنشئت سنة 1324 هـ وهو في نفس الوقت يواصل هجومه على الأزهر بدعوى التجديد والحرية ووصل في هجومه لحد الافتراء والكذب والرمي بالكبائر على شيخ الأزهر وواصل عبثه وشتمه لمشايخ الأزهر بصورة طائشة اعتذر هو عنها في آخر حياته .
عندما دخل الجامعة ذاعت شهرته بحكم أنه أول أزهري وضرير يدخل الجامعة وسبقته شهرته التي اكتسبها عندما كان يطعن ويهاجم الأزهر وشيوخه ومكافأة له على جهوده في الطعن على الدين ورموزه قررت الجامعة إيفاده في بعثة إلى فرنسا سنة 1340هـ للحصول على رسالة الدكتوراه وهناك يتلقفه المستشرقون من أمثال جولد تسهير وإميل دور كايم ومانتسيه وغيرهم من المستشرقين اليهود ووجدوا فيه ضالتهم المنشودة وأمنيتهم الغالية كما قال القس زويمر 'لابد أن يقطع الشجرة أحد أغصانها' فأحاطوا بهذا الطالب المسكين المحمل بكل الغيظ والكره لك ما هو ديني وشرقي وكل ما يربطه بالتراث , سهل له هؤلاء إتقان اللغة الفرنسية والحصول على الليسانس في سنة 1343هـ وفي هذه الفترة تزوج الشيخ طه حسين الضرير الأسمر الوجه والغليظ القسمات من امرأة فرنسية جميلة اسمها سوزان وهي بالمناسبة ابنة قسيس كاثوليكي وكان لهذه المرأة دوراً مشبوهاً طوال حياته ولم تتكلم العربية قط رغم عمرها الطويل الذي امتد بعد وفاة طه حسين , ثم الدكتوراه في الفلسفة سنة 1344هـ ثم عاد إلى مصر ليعين أستاذاً لتاريخ الأدب العربي ويدخل مرحلة جديدة وخطيرة في نفس الوقت بل أخطر مراحل حياته .
مؤلفاته وأفكاره :
حاول طه حسين استغلال لقبه الجديد والذي أعطى له زوراً في فرنسا كما اعترف بذلك زميل طه حسين في البعثة , واستغلال منصبه الجديد كأستاذ في الجامعة ليبث سمومه وأحقاده على الدين وأهله وسط طلابه في الجامعة وعلى صفحات الجرائد وعلى صفحات الكتب التي ألفها لنشر أفكاره واتبع طه حسين أسلوب الإثارة وافتعال المعارك مع الآخرين ليرى مكانه ويسمع صوته ويروج فكره ولقد لخص طه حسين أفكاره وبثها بصراحة في كتبه وهي كالأتي :
* في كتابه 'الشعر الجاهلي' : أنكر وجود إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ولم يعترف بالقرآن عندما ذكرهما , وأنكر وجود الشعر الجاهلي أصلاً وقال إنه من وضع شعراء المسلمين , وأنكر الصلة بين الإسلام وبين دين إبراهيم عليه السلام , وأنكر كون الرسول صلى الله عليه وسلم من خيرة العرب ومن خيرة البشر , وأنكر القراءات السبع المتواترة وقال أنها ليست منزلة من عند الله وبسبب هذا الكتاب حكم الأزهر بتكفيره وقام له علماء الوقت فردوا عليه ونقدوا كتابه وبينوا أكاذيبه وفندوا أباطيله خاصة الكابت مصطفى صادق الرافعي في كتابه 'تحت راية القرآن' والأستاذ محمد فريد وجدي في كتابه 'نقد الشعر الجاهلي' والأستاذ محمد لطفي جمعة في كتابه 'الشهاب الراصد' وكشف هؤلاء حقيقة ما يدعو إليه طه حسين من هدم الدين وتشويه العقائد ودفن التراث فثار الشعب كله ضد طه حسين , حتى كانت الضربة القاضية لهذا الكتاب على يد الأستاذ عبد المتعال الصعيدي أستاذ البلاغة عندما كشف عن أن كتاب 'الشعر الجاهلي' ما هو إلا سرقة أدبية وترجمة حرفية لكتاب حاقد صليبي وهو المستشرق الإنجليزي جرجيش صال واسم الكتاب 'مقالة في الإسلام' وقامت مظاهرات في الشوارع ضد طه حسين وتوجهت إلى البرلمان فيخطب فيهم سعد زغلول فيقول :إن مسألة كهذه لا يمكن أن تؤثر في هذه الأمة المتمسكة بدينها هبوا أن رجلاً مجنوناً يهذي في الطريق فهل يضير العقلاء شيئاً من ذلك ؟ إن هذا الدين متين وليس الذي شك فيه زعيماً ولا إماماً حتى نخشى من شكه على العامة فليشك ما يشاء ماذا علينا إذا لم يفهم البقر ؟' .
* في كتابه 'مستقبل الثقافة في مصر' جهر وصرح بأفكاره الخبيثة ومنها :
1- الدعوة إلى حمل مصر على الحضارة الغربية وطبعها بها وقطع ما يربطها بقديمها وإسلامها .
2- الدعوة إلى إقامة الوطنية وشئون الحكم على أساس مدني لا دخل فيه للدين بحيث تصبح الحكومة علمانية محضة .
3- الدعوة لنبذ اللغة الفصحى حتى تصبح لغة الشعائر الدينية فقط مع استخدام اللغتين اليونانية واللاتينية في التعليم والحياة عموماً .
4- إلغاء التعليم الأزهري .
وقد قام الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله بالرد على هذه الأباطيل الظاهرة في عدة تكب ومحاضرات وكذلك الدكتور زكي مبارك وغيرهم .
* في كتابه 'حديث الأربعاء' اهتم بنشر أخبار الشعراء الماجنين والفاسقين والعشاق والزناة في الدولة الأموية والعباسية وأسقط ذلك على العصر كله فقال عنه -هذا القرن يعتبر من القرون الفاضلة بنص حديث رسول الله - قال عنه 'أن العصر الذي دالت فيه الدولة الأموية وقامت فيه الدولة العباسية قد كان عصر شك وعبث ومجون' وكان طه حسين قد نقل هذا الكتاب من كتاب الأغاني للأصفهاني المعروف بتشيعه الشديد وعداوته للأمويين والعباسيين على حد السواء .
* في كتابه 'على هامش السيرة' وهو كتاب كتبه بعد اشتداد الهجوم عليه بسبب كتبه السابقة فقر كتابة بعض الكتب الدينية والتي من خلالها يبث سمومه وشروره المملوء بها قلبه الحاقد فملئ هذا الكتاب أكاذيب وأباطيل وأساطير ليست في التاريخ من شئ وغرضه من ذلك كله التشكيك في مصادر التشريع الإسلامي والتنفير من سيرة خير خلق الله .
وظل طه حسين طوال حياته مسخراً قلمه ولسانه وإمكانياته كلها من أجل هدف واحد وهو تشويه الإسلام والتشكيك فيه والدعوة إلى العلمانية والتقليد الأعمى للغرب حتى قيل عنه أنه مستشرق ولكن بلسان عربي وتعرض لكثير من المضايقات وهاجمه العام والخاص وأبغضه القريب والبعيد وعاداه العالم والجاهل ومع ذلك خلعت عليه الألقاب الكبيرة وصار عميداً لكلية الآداب ثم وزير المعارف ثم عزل من منصبه بعد قدوم الثورة وأخذ مكانه في الظل وقد تقدمت به السن يهاجم الكتاب والأدباء وكل من له نزعة دينية وظل على عقيدته حتى مات في 2 شوال سنة 1393هـ بعد أن خدع الكثيرين وانبهر به الكثيرين ولم يكن هو في واقع أمره إلا ذنباً للمستشرقين ولساناً للحاقدين وثمرة خبيثة من ثمار الغزو الفكري الصليبي للإسلام وأهله