أما في الإسلام فلا كهنوت ، ولا سكرتارية خاصة للإله ، ولا مندوب سامي يتصف بالقداسة ، لأن الدستور الإلهي هو الحَكَم وهو الشاهد ، ولأنه إلهي فقد امتزجت مكوناته ، وانسجمت معطياته ، وتلازمت أوامره مع نواهيه في دقة تعلو مقامات البشر ، فالروح والمادة متكاملان ، والدنيا والآخرة متصلان ، والعلم والدين متداخلان ، لأن الدين عند المسلمين هو علم الإنسان بمبادئه وأصوله ، والعلم عند المسلمين هو حق الإنسان في فهم الدنيا ، فيكون الدين دعوة لفهم الدنيا ، والعلم هو أداة الإنسان لفهم الدين .
ومن هذه المقدمة المختزلة ، التي أصف بها حالة ، لا أُشَخِّص بها داءاً ، أنتقل مباشرة إلى حالة أسامة سماسم ، فأقول إنه ليس إلا واحداً من ضحايا الانبهار الثقافي بالآخر ، ورمز من رموز ظاهرة مرضية أصابت مجتمعنا كتبعة من تبعات الاحتلال الصليبي الذي جثم على صدر الأمة رِدْحَاً طويلاً من الزمان ، مخترقاً جدار دولة الخلافة لمدة قرن كامل من الزمان ، ومتسلطاً عليها لمدة قرن ثان ، باسم الخلافة أيضاً وتحت رايتها .
هذه الظاهرة التي وصفها البعض بالبريق الزائف ، وتقوم على رعايتها مؤسسات إعلامية ماسونية ضخمة ، تجيد فن تحويل (الفَسيخ) إلى (شربات) ، وتصور (الحَبّة) على أنها (قُبّـة) ، وتجعل من "الحقير" كياناً "معتبراً" ، فَتُعلي الصغار وتَعْمَى عن الكبار ، وتصنع من الأنصاف والأرباع نجوماً ثقافية وفنية ، تُلهي مسيرة الأدب والفن بالإثارة والشغف والأضواء وتلبية نداءات الشهوات ، حتى يظن الضحايا أنهم على الحقيقة ؛ نجوماً وكباراً ومشاهيراً يشار إليهم بالبنان .
وإذا استكثر أسامة سماسم من منتصر الزيات المحامي ، أن يدافع عن الصحابي الجليل عمرو بن العاص "متهماً" إياه بالتطرف والإرهاب ، ذلك "الاتهام" الذي كان خلال السنوات العشر الأخيرة تجارة رابحة لمن لا صنعة له ، فلا بأس أبداً من ذلك ، لأنه بذلك قد اختار لنفسه كما اختار منتصر ، المقام المناسب له والأليق به ، فاختار أسامة سماسم طابور المُنَصِّرين والمستشرقين والمدلسين وكذبة التأريخ من الشيعة والمتشيعين، وإحساناً بالظن ـ راجياً من الله الغفران ـ سأعتبره أنا من جهلة التاريخ والجاهلين بالدين ، أما منتصر الزيات ، فقد اختار طابور صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ولا يلومني واحد إن قلت بالفم المليء أن أسامة سماسم بمعاداته لعروبة مصر لغةً وتاريخاً ووطناً ، وتألمه من اختيار أجداده الأوائل وأبويه اللذين ولداه رغماً عنه وعلى يد عمرو بن العاص للإسلام ديناً وعقيدة ، ومعاناته النفسية أن ينتسب أهل مصر مصاهرةً وحسباً ونسباً إلى صحابة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ، ومقته الشديد لهذا الصحابي الجليل على وجه التحديد ، الأمر الذي جعله يتوعد ويهدد أن يؤلف مسلسلاً لينتقم منه ويا لخزي وعار ما يؤلف وما ألف .
فأقول : إنه ـ أسامة سماسم ـ واحد من طابور الشعوبية التي ظننا خطأ أنها ماتت ، فإذا بصبي من صبيانها ـ هوـ يجهر بالسوء ، ناطقاً بالباطل ، ثم يُصِرُّ على ما قال من "الضلالة" ، مستعلناً بخصومته لعمرو بن العاص ، حبيب خاتم الأنبياء وخير البرية عليه الصلاة والسلام ، تماماً كنكرات أخرى على شاكلته([1]) .
ولا يرفع "علماني شعوبي" عقيرته ليبرىء نفسه وصاحبنا أسامة سماسم من صفة العلمنة الشعوبية ، فإنها إجمالاً سلكت سبلاً عديدة بين ظاهر ومستور ، غايتها وأتباعها :
1- إرباك العقيدة لدى المسلمين .
2- وتشوية المفاهيم .
3- وسوء التأويل .
4- وفساد العقل .
5- وسوء الظن .
6- والتشدق بثقافة أعداء الأمة .
7- وتمجيد كل ما يتعارض مع الدين .
8- والحط من حضارتنا .
9- لحساب حضارة الممولين .
فإن برىء أسامة سماسم من هذه التسع سيئات ، فالعاشرة وهي الضلالة ، لاصقة به باختياره ، ومدعاة لفخاره ، والرجل ليس له (ذقن) ليخفيها ، ولن يرفع نصفه السفلي لأعلى ليدس رأسه في الرمال كالنعامة ، فجاهر وأكد كرهه لمن أحبه رسول الله ، واحتقر من أعلى شأنه صِدِّيق أمة الإسلام وفاروقها ، رضي الله عنهما .
ذلك لأن حرب العلمانيين الشعوبيين على الإسلام ليست حرباً مكشوفة كما يظن البعض ، إنما الذي نراه في وضح النهار ليس إلا مفاتيح لخطط خفية ، لها وسائلها ومناهجها الخاصة ، بقصد الاستيلاء من الداخل على العقول والأفكار والعواطف من خلال بعض الأعمال الفنية ، حتى إن انبهر الناس بهم وتحركت مشاعرهم نحوهم ، إعجاباً بهزلهم وما يثيرون به أحاسيسهم ورغباتهم ، تسلطوا على الناس لإعادة صياغة هذه المشاعر وتشكيلها من جديد ، فتصبح مهيأة لاستقبال صيغهم الفكرية الشاذة في هدوء شديد ، بأن يكون الواحد منهم مصدراً موثوقاً به إن تكلم ، وشكلاً مألوفاً إن شوهد ، تحت مظله نجوميته كرمز من رموز المجتمع ، لكن هيهات هيهات أن تمر تلك الحوادث بهذه البساطة ، ما دامت هناك بقية من نخوة ، وبقية من تقوى ، في قلوب وصدور ومعتقدات المسلمين .
والذي يمكن أن نفهمه بجلاء ، من هذا التطاول الذي جهر به أسامة سماسم على الصحابي الجليل عمرو بن العاص ، وشتان بين الثرى والثريا ، وبين الجرذان والأسود ، إن أسامة سماسم قد أفلس ، وانحسرت من حوله الأضواء ، فأراد العودة إليها ولو أن يقذف بنفسه في نارها ، فأوكل شيطانه أن يدبر له حيلة ، وانتهى به المقام إلي سب واحد من كبار رجال الأمة والتاريخ قاطبة ليطعن فيه .
ومشكلة أسامة سماسم بالتحديد ، أنه يعيش معنا في زمن العولمة ، بينما ما زال يحمل في رأسه كل زمن الانحسار في العهود البائدة ، ذلك الزمن الذي عَمَّت فيه بلوى لغة المقاولين ، وشراء الألقاب كالباشاوية والباكوية والأفندية ، أو منحها لذوي النجابة من أصحاب المواهب والمهام الخاصة جداً ، فهذه كوكب الشرق ، وهذا عميد الأدب العربي ، وتلك سيدة الشاشة العربية ، وذلك أمير الشعراء ، وهذه سندريلا ، وذاك عندليب ... وهكذا سعى أسامة سماسم جاهداً أن يلوذ بواحد من هذه الألقاب ، لكنه فقد الوعي بأن العولمة تجاوزت هذه المرحلة من التخلف ، وأصبحنا الآن في عصر تنوير إيناس الدغيدي ودينا ولوسي وروبي ووحيد حامد وشعبان عبد الرحيم وداليدا ونانسي عجرم و ....... و أسامة سماسم ، فكلهم كما نرى نجوماًًًًًً ، لكن بدون ألقاب اكتفاءً بدلالات أسمائهم التي أصبحت بذاتها تُغني عن التعريف وبئس التعريف .
إذ يشهد الواقع على أن ثقافة أسامة سماسم وأمثاله من العلمانيين الشعوبيين ، إنما هي ثقافة التخلف عن ركب حضارة الإسلام وتاريخه العريق ، وهي ثقافة الانهزامية الذاتية التي تسقط بصاحبها في بئر الحيرة العقلية ، وتحول بينه و بين الحق وشواهده ، وتحول بينه وبين الارتباط بهويته ، فَتُحبِط سعيه ، وتضلل طريقه نحو أداء الرسالة التي خُلِقَ من أجلها ، فأنساه الله لها ، وحرمه من أن يكون من المستخلفين في الأرض وفق المنهج الرباني .
وأحذر بشدة أن يُهوِّن واحد من تلك الجريمة النكراء التي ارتكبها أسامة سماسم ، في حق ديننا ، ثم في حق كل من ينتسب إلى هذا الدين ، ثم في حق نفسه هو ذاته ، لأن خطورة ما قاله من وقاحة في حق الصحابي الجليل ، أنه بهذا القول البذيء يحاول أن يفتح باباً للرعاع ، يكون هو في مقدمته ، يتطاول من خلاله على رموز الأمة ، ويقذفون من خلفه المسلمين بالحجارة كصبيان الشوارع ، فإن سكت المسلمون زاد وطغى وبغى ، وإن حملوا عليه لهث جرياً أو ألجم ، خشية ورعباً كمن وصفهم رب العزة سبحانه وتعالى بالكلاب .
وإنني إذا ما حاولت أن ألتمس عذراً لأسامة سماسم فيما قاله - وهو أمر شاق للغاية - فلأن الدين أصبح عنده وعند أمثاله ؛ "بعبعاً" يعطل إبداعهم الشيطاني ، وأصبح المسجد "مدفناً" يحرمهم من التنوير ، أما تعاليم الإسلام فقد أصبحت عنده وعندهم "مزاميراً" لإبليس ، بعدما وضعوا الإسلام في قاموسهم محل "الشيطان" والعياذ بالله .
وقد يسأل سائل : ما الذي أودى بواحد مثل أسامة سماسم إلى هذا الفهم المغلوط ؟ ومن أين ؟ ولماذا ؟ وكيف ؟ ، فأقول أن الإشكالية المتسلطة على أذهان أسامة سماسم وأمثاله من العلمانيين الشعوبيين ، هي مشكلة