يكفيك من نزار قباني شعورك بالاثم لمجرد امساكك بأحد دواوينه الغزليه . اما بعد فراغك من قراءته فستجد نفسك بحاجة الى الاستغفار .
لقد كتب نزار مئات القصائد في أدق تضاريس جسد المرأة , وكتب عن خصوصياتها اكثر مما تستطيع ان تكتبه هي عن نفسها , ومزج ذلك بقوة مخيلته في الوصف الاباحي – ان صح التعبير – وكانت فتاة شعره من طراز خاص تصلح ان تكون نجمة سنمائية , او فتاة اعلان وغلاف , لانها دائما تقع تحت ضوء " الكاميرا النزارية " . ومن خلاص رصده لحركاتها المحسوسة , حتى في خلوتها , اصبح قارئ " القصيدة النزاريه " يستمتع بالبحث عن ذاته في هذا المشهد الاباحي الذي يصوره له " نزار" من خلال شعره .
المرأة عند نزار ليست سوى جارية في سوق رقيق يستعرض جسدها امام القراء . ومن هنا يصيبك العجب عندما تسمع من ينعته بأنه اول من أنصف المرأة العربية , وانه شاعر المرأة العربية . نعم يمكننا نعته بذلك بعد اضافة هذا اللقب الى وصف " المتمردة " فقد أنصف المرأة العربية المتمردة , وهو شاعر المرأة المتكردة الغير شريفه فقط .
أما الطامة الكبرى , فهي ما يفجأك به عند قراءة شعره من تمرد على تعاليم الدين , فيغمز , ويلمز أهل العلم والصلاح , ويصرح بذلك في قصيدته ( الخرافة) حيث يقول : " حين كنا في الكتاتيب صغارا ... حقنونا بسخف القول ليلا ونهارا ... درّسونا ... ركبة المرأه عورة , ضحكة المرأة عورة " *1* .
ويخاطب القمر بقوله : " ما الذي يفعله ضوء القمر , ببلادي .. ببلاد الأنبياء .. وبلاد البسطاء .. فالملايين التي تركض من دون نعال .. والتي تؤمن في أربع زوجات , وفي يوم القيامة " *2*
ثم انظر مدى تمرده على جميع الشرائع والنصوص حين يقول مخاطبا معشوقته : " أحاول –سيدتي- أن أحبك .. خارج كل الطقوس .. وخارج كل النصوص .. وخارج كل الشرائع والأنظمة " . *3*
وها هو ينظر في عيني محدثته قائلا : " كان في عينيك غيم أسود .. وبدايات شتاء .. ونبوءات جميع الأنبياء " . *4*
وقد يزول بعض عجبك عند سماعك قوله :" لا تستبدي برأيك فوق فراش الهوى .. لأني من الله ... لا أتلقى الأوامر" *5* , ومن لا يتلقى أوامره من الله فلا غرابة ألا يقف عند حد – وهذا ما مارسه نزار في أغلب شعره – ومن ذلك قوله :" وطن بدون نوافذ .. هربت شوارعه .. مآذنه ... كنائسه .. وفر الله مذعورا .. وفر جميع الأنبياء " *6* .
فتجده حينا متخذا إالهه هواه في قوله :" هو الهوى .. هو الهوى .. الملك القدوس , والآخر والقادر" *7* .
وحينا متخذا من كلام الله سبحانه وتعالى مادة لمجونه :" وسوف تقولين .. في ذات يوم حزين .. سلام على الحب .. يوم يعيش .. ويوم يموت .. ويوم يبعث حيا " *8* .
وتخيل معي مدى وقاحته عندما يصور الله سبحانه بتلك الصورة المهينة في قصيدته ( الرب العاشق) :" سيدتي .. حبك صعب .. حبك صعب .. حبك صعب .. لو عاني الرب كما عانيت .. لصاح من البلوى : يارب " *9* . ويتابع جرأته على ربه فيقول : " أحبيني بعيدا عن بلاد القهر والكبت .. بعيدا عن مدينتنا التي من يوم أن كانت .. اليها الحب لا يأتي .. اليها الله لا يأتي " *10* .
ثم إن التمادي في الباطل جعله يعترض على الله سبحانه , ويخاطبه مخاطبة أحد أقرانه بقوله :" ماذا سيخسر ربي؟ وقد رسم الشمس تفاحة .. وأجرى المياه وأرسى الجبال .. اذا هو غيّر تكويننا .. فأصبح عشقي أشد اعتدالا .. وأصبحت انت أقل جمالا " *11* .
وتجده يخاطب معشوقته راجيا : " أرجوك يا سيدتي .. أن ترجعي إلى البحار الماء .. والرب للسماء .. أرجوك يا سيدتي " *12* . ويقول :" لأني أحبك .. يحدث شي غير عادي في تقاليد السماء .. يصبح الملائكة احرارا في ممارسة الحب .. ويتزوج الله حبيبته " *13* .
ويصبح الحليم حيرانا عندما يسمع قوله :" يا أثيرة .. ماذا تفعلين اليوم ؟ مذا تشعرين الآن ؟ هل ضيعت إيمانك مثلي بجميع الآلهة .. وتقاليد القبيلة " *15* .
ثم استمع اليه أخيرا وهو على فراش الموت – في مرضه الاخير – يقول :" السكنى في الجنة , والسكنى في دمشق .. شيء واحد .. الأولى تجري من تحتها الأنهار .. والثانية تجري من تحتها القصائد والاشعار " *16* .
وبعد هذا هل يستحق نزار رثاء أحدهم له بقوله: ولك التحية والخلود ... وأليك في مثواك طيب الف .. أو طيب الورود .. ولنا العزاء بأن تجود الأمهات .. لنا بمثلك ... هل تجود