هو يروي
عندما شاهدت وجهها لأول مرة في حياتي أصبحت موقنا أن هذه هي الفتاة التي أبحث عنها طوال عمري لذلك لم أطق الانتظار فأرسلت لها ابنة خالي و الأولى واقفة في النادي لتخبرها بشأني و كيف أنها خلبت لبي و أطارت صوابي منذ أن رأيتها.. وجدتها تبتسم ثم تضحك و هي تنظر إلي بجانب عينها اليمنى عندما أشارت ابنة خالي إلى شخصي من بعيد ، بالطبع أخبرت ابنة خالي عن كل شيء ستقوله لها ثم يممت وجهي قرابتهما لأطالع رد الفعل ... جاءت ابنة خالي بعد ثلث ساعة من الحديث و الضحك معها ثم قالت مبتسمة:- من الواضح أن هناك قبولا من جانبها لكنها بالطبع تريد أن تجالسك لتتعرف على شخصيتك.
قلت مؤمنا على كلامها:- هذا أمر طبيعي
أعطتني بعد ذلك رقم المحمول الخاص بوالدها فسجلته على ذاكرة هاتفي لأنام ملء عيني ...استيقظت و كلي أمل متصلا بوالدها لأعرفه بنفسي فإذا بالرجل لديه خلفية كاملة عن الموضوع ، أخذت منه ميعادا لأزوره و من ثم كان اللقاء..
دخلت إلى شقتهم و جلست مع والدها و والدتها ثم عرفتهم بنفسي فوجدت منهم قبولا و ارتياحا لشخصي ثم حضرت هي .. حضرت بعد ربع ساعة
من جلوسي مع والديها في ملابس جعلتها كالملائكة مما زاد إعجابي بها ثم أخذنا نتحدث جميعا في شتى الأمور العامة و نضحك ملء أفواهنا فقد بدا الانسجام بيننا جميعا لا يخفى على أحد ، بعد ذلك استأذنتهم في الانصراف معطيا لهم رقم هاتفي المحمول ثم غادرت إلى منزلي لأخبر والدي بما كان غي اللقاء فقالت أمي سعيدة:- أخيرا وافقت على عروس !! أنت لا يعجبك العجب العجاب
قلت:- منذ أن رأيتها قلت إن هذه هي الفتاة التي كنت أبحث عنها طوال عمري .
قال والدي بحكمة:- الجمال ليس كل شيء ، التربية و الأخلاق أهم
قلت مسرعا:- و نعم القول يا والدي .
اتصل بي والدها بعد أسبوع على هاتفي المحمول معلنا موافقته فكدت أطير من شدة الفرح ، أخيرا وجدت الفتاة التي كنت أبحث عنها، سابقا وفي مشاريع زواج كثيرة كنت أرفض أو ترفضني العروس نظرا لعدم القبول من أحد الطرفين أما في هذه المرة فيبدو أن ظلام النحس الذي كان يلازمني تبدد تحت شمس الأمل.
أخبرني والدها أنها تريد أن تجلس معي بمفردها لتتعرف على شخصيتي فأعلنت ترحابي و جلسنا معا في أحد الأندية ثم أخذت هي تسألني عدة أسئلة عن طموحي و أهدافي في الحياة و كلما كنت أجيب كانت تبتسم مبدية موافقتها على وجهات نظري و آرائي مما أسعد قلبي بحق .. عدت لأهلي بعد ذلك فأخبرتهم بما دار و قابل والدي والدها ليتحدثا في تفاصيل الزواج.
بعد أسبوع من مقابلة والدي لوالدها طلبت من والدها عبر هاتفه المحمول السماح لي بالحديث معها عبر الهاتف .. وافق الرجل فأخذت أحدثها كل يوم قرابة ساعتين بعد عودتي من عملي،أحسست بطيبتها الشديدة و صفاء روحها و ضعف خبرتها في الحياة حتى أن والدتها قالت لي يوما:-
لن تجد عروسا مثلها ، إنها طيبة بكل ما تحمل الكلمة من معان .
بعد حديثي معا بأسبوعين اتفق والدانا على ميعاد قراءة الفاتحة في نهاية شهر سبتمبر و قبل قراءة الفاتحة بيومين طلبتها فإذا ردودها باردة نوعا ما فعجبت لذلك و توجس قلبي ، للحق كان حدسي صائبا ففي اليوم التالي أغلقت هاتفها المحمول و اتصل والدها بوالدي معلما إياه أن كل شيء قسمة و نصيب .. لم أعد أدرك حقائق الموجودات حولي عندما حدث ذلك .. كل ما أذكره أني بكيت و أخذت أحاول الاتصال بها فإذا هاتفها مغلق .. تعلقت بأهداب الأمل تعلقا شديدا و لكن استيقاظي من حلمي الجميل على كابوس مرعب جعلني أتألم بشدة حتى أن كثيرا من زملائي في العمل لاحظوا شرودا طرأ على نفسي و ظللت سحابة من الحزن جبيني الوضاء..كنت أرفض كثيرا من الفتيات لأني أريد نموذجا معينا أتزوجه فكانت المشاكل تكثر بيني و بين أهلي و حجتهم أن الجمال ليس كل شيء ، أكان قولهم الصدق حقا؟؟ لست أدري ففي داخلي كانت هناك قناعة تامة بأن كثيرا من من الفتيات يكلمن الجمال و الأدب و الاحترام رغم تأكيد كثير من أصدقائي أني أعيش طائرا في دنيا الأحلام ولا أهبط بقدمي على أرض الواقع ، ضاعت مني و يا حسرتاه ، قلت لنفسي مشجعا إياها أن من خلقها فلابد أن يخلق أجمل منها و سرت في دروب الحياة أبحث عن فتاة تماثلها فلم أجد ، بلغت الثانية و الثلاثين فأيقنت أن الواقع مر لا جدال فيه فتزوجت زواجا تقليديا من فتاة لم يكن في نفسي قبول شديد لشخصها و لكنها الحياة .. الحياة التي تمرغنا في تراب التجارب و الخبرات فنستيقظ من أحلامنا الجميلة على وقائع مفجعة تميت القلوب ، وجدت من زوجتي طيبة و إخلاصا شديدين إلا أن نفوري من شكلها أقام حاجزا نفسيا بيني وبينها .
ذات يوم قالت لي و هي تجلس بجانبي في كامل زينتها :- يا لتعاستي
نظرت لها فاستطردت:- أنت لا تعي واجباتك الزوجية .
قلت لها بحزن:- معك كل الحق .
لم تكن تعرف أي شيء عن مشاريع زواجي السابقة و أنا بدوري لم أخبرها أني دخلت في أكثر من خمس و عشرين موضوعا نابني منها الفشل الذريع .
قالت :- هل ضايقتك في أمر ما
- لا و الله و لكنها نفسي المريضة
قالت بفضول :- لما لا تذهب للطبيب
- يبدو أن هذا سيحدث
قالت متشبثة بيدي اليسرى :- كل ما أتمناه أن ترضى عني يا زوجي الحبيب و أن أكون لك نعم الزوجة و الصاحبة .
نظرت لها بأسف قائلا لنفسي أنها كانت تستحق شخصا أفضل مني يبحث عن الجوهر لا عن الظاهر مثلي ثم قلت بصوت باك:- أعينيني يا حبيبتي.
وضعت رأسي في صدرها قائلة بحب :- من الغد نذهب للطبيب .
ذهبت للطبيب النفسي بعد يومين و أخبرته بأني أحس بنوع من النفور تجاه زوجتي فإذا به يتفهم الوضع قائلا أني لست أول شخص يزور عيادته بخصوص ذلك ثم اندفع يحدثني عن الأخلاق و القيم العليا و أن قيمة الإنسان في داخله و ليس في خارجه ، بالطبع كنت مقتنعا بكلامه أنا الذي قرأت مئات الكتب و لكنها نفوسنا الضعيفة التي لا ترى في المرأة الا الوجه و القوام الحسن غافلة عن أن الباطن يحوي كنوزا ثمينة.
سارت الأيام رتيبة متمهلة ثم جاءت مريم إلى دنياي ، في حديث قديم مع الفتاة التي غدرت بي كنا قد تعاهدنا أننا إذا أنجبنا بنتا سنسميها مريم لما في الاسم من قداسة خاصة في قلوب المسلمين و المسيحيين بشأن السيدة العذراء التي تكن لها قلوبنا كل الحب و الاحترام و التبجيل و التوقير.
طبعا لعب القدر لعبته و فرق بيننا فسميت ابنتي مريم عائشا على ذكراها الجميلة في قلبي رغم معارضة زوجتي بأن هذا الاسم شائع و أنها تريد أن تختارلها اسما غريبا كباكينام أو لامار أو أي اسم من هذه الأسماء الأعجمية التي لها معان بالعربية لا يعرفها معظم الناس.
جاءت مريم إلى عالمي منتزعة نفسي من الحزينة من وادي الحزن لتلقي بها في مروج السعادة ، كانت هذه الطفلة هي الأمل الوحيد الذي قد يخرجني من حالتي النفسية السيئة التي لازمتني منذ زواجي التقليدي الذي أندم عليه إلى يومنا هذا ..كانت مريم تشبهني في كل شيء ، نفس الشعر البني الناعم و العينين العسليتين و امتلاء الوجنتين حتى أن زوجتي قالت لي ضاحكة :- لو أجرينا عملية استنساخ لما خرجت الطفلة بهذا الشبه العجيب بك .
قلت بهدوء:- فضل من الله و نعمة.
لا أدري حقا هل بدأت أرتاح نفسيا أم أن هذا عارض وقتي سببه ابتهاجي المؤقت بمولد مريم التي بلغت ثلاثة أشهر من عمرها.. زرت الطبيب بعد ذلك بأسبوعين فقال لي:- تقرب من الله و ادعوه أن يقوي أواصر العلاقة بينك و بين زوجتك و إن لم يكن من أجلك فمن أجل ابنتك التي أصبحت زوجتك أما لها .
غادرت الطبيب و في نفسي شعور غريب ، شعور تكون من فقدان الثقة بنفسي إضافة إلى عدم اقتناعي بزوجتي حتى الآن رغم طيبتها و إخلاصها .. كل يوم تقذفني أمواج القلق على شاطيء الحيرة مما ينتج عنه وخزات في صدري تجعلني أحس أني قد أطلق زوجتي في أي لحظة رغم أننب إن فعلت ذلك فسأحتقر نفسي للأبد ، أبعد كل هذا الحب والإخلاص من جانبها أفعل ذلك ؟؟!! أبعد معاناتها معي لثلاثة أعوام كنت فيها بئس الزوج و الرفيق و هي صابرة محتسبة أفعل ذلك ؟؟!! مما لا شك فيه أن من يرزقه الله نعمة و يسخط عليها فسيذهبها الله عنه حتى يحس بمدى أهميتها عند فقدانها و لكن ماذا أفعل في هذه الحيرة التي تعذبني و تؤرقني.