كان سعيد شيخـًا فقيرًا ، يعيش في كوخٍ صغير بإحدى القرى القريبة من قصر الأمير ، ولم يكن أحد يعيش معه في الكوخ ، غيرابنته ، لأن زوجته ماتت منذ سنوات ...
وذات يوم مرّ الأميرعلى سعيد وهو يحرث حقله ، فبدأ يتحدث إليه في شؤون الزراعة ، ويستمع إلى حديثه ،وكان سعيد مُحدّثــًا بارعــًا ، فأعجب الأمير بحديثه وسأله : إنك فلاحٌ ذكي ، فأينتعلمت فن الحديث ؟
قال سعيد : إن ابنتي ايها الأمير ، هيالتي علـّمتني ذلك ، فهي حكيمة ، والله وحده هو الذي علمها الحكمة .
قال الأمير : عجبـًا ! أتأخذ الحكمة ، وأنت شيخٌ كبير ،من ابنتك الصغيرة ؟ إنني أريد أن اختبر ذكاءها وحكمتها ، فخذ هذه البيضات الثلاثوأعطها إياها ، ثم قل لها : إن الأمير يريد أن تفقس هذه البيضات الثلاث وتخرج منهاثلاثة أفراخ صغيرة غدًا ، فإذا استطاعت بحكمتها أن تفعل هذا ، فهي حكيمة كما تقول ،وإن لم تستطع ، فسأقتلها وأقتلك معها !
وكانت البيضاتالثلاث مسلوقة ، فلما أعطاها سعيد الى ابنته ، عرفت أنها لا يمكن أن تفقس ، لأنالبيض المسلوق لا يفقس ، ففكرت برهة ، ثم أخذت بعض حبّات القمح ووضعتها في ماء مغليحتى نضجت ، ثم أعطتها لأبيها وقالت له : اذهب بهذه الحبات الى الأمير ، وقل له أنيزرعها لتنبت قمحـًا تأكله الأفراخ التي تخرج من البيض !
فلما ذهب الأب الى الأمير ودفع اليه حبات القمح ليزرعها ، ضحك الأمير ساخرًاوقال له : أين ذهبت حكمتك وحكمة ابنتك ؟ وكيف تأملان أن تنبت البذور المطبوخة شجرًامورقـًا ؟
قال سعيد : وكيف يأمل الأمير أن يفقس البيضالمسلوق أفراخـًا ؟
فعرف الأمير أن الفتاة غلبته ، فسكتلحظة ، ثم دفع الى الأب قصعة من الخشب ، وقال له : قل لابنتك أن تغير مسار النهربهذه القصعة !
فلما أخبر الأب فتاته بذلك ، قالت له : أخبرالأمير أن يسد منابع النهر ، حتى استطيع أن أغير مساره بقصعته ! ..
فأعجب الأمير عند سماع ذلك بعقل الفتاة ، وقرر أن يتزوجها ، فرضيت الفتاةبزواجه ، على شرط واحد ، هو أن يسمح لها – إذا حدث بينهما خصام وقرر فراقها – أنتأخذ معها وهي خارجة من القصر ، أغلى شيء عندها.
عاش الأميرمسرورًا بزوجته ، وعاشت زوجته سعيده به ، زمانـًا طويلا ، ثم حدث بينهما خصام ،فقرر فراقها وأمرها بمغادرة القصر في الغد ...
فلما كانالمساء ، احتالت على الأمير حتى نام وحملته وخرجت به من القصر ، الى الكوخ الذيكانت تسكن فيه ...
فما أن أستيقظ الأمير من نومته الثقيلة ،نظر حوله مدهوشـًا وهو يقول : أين أنا ؟ وما جاء بي الى هذا المكان ؟
فأجابته : أنت هنا في بيتي ، وأنا التي جئت بك !
قال غاضبـًا : ومن أذن لك به ؟
قالت بهدوء : أنت أذِنت لي بهذا يا أمير .. أفلا تذكر أنك حينما اتفقنا علىالزواج ، قد منحتني الحق في أن آخذ معي حين أفارقك ، أعز شيء عندي ؟ وأنت قد أمرتنيأمس بأن أفارقك ، ففكرت في أعز شيء عندي فلم أجد أعز منك ، فأخذتك معي يا زوجيالعزيز!
كان لهذه الكلمات العذبة وقع السحر على الأمير ،فامتلأ قلبه حبـًا لزوجته ، وعاد بها الى القصر ليعيشا معـًا في أمن وسعادة
منقوووووووووووووووووووووووووول