قاد القاضي الشيخ أسد بن الفرات جيشـًا عظيمـًا لفتح صقلية ، فخرج على رأس الجيش في ربيع 212هجرية ، وكان يومـًا مشهودًا ، حيث خرج وجوه أهل البلد يشيعونه ، ولم يبقَ أحد من رجال الدولة إلا شيعه .
ولما ركب هذا العالم المجاهد ، وسار في حفل عظيم من الناس ، تحفه حملة الأعلام والسيوف ، قال وهو في هذا الموضع منوهـًا بفضل العلم " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، والله يا معشر الناس ، ما ولي لي أب ولا جد ولاية قط ، وما رأيت ما ترون إلا بالأقلام ، فاجهدوا أنفسكم واتعبوا أبدانكم في طلب العلم وتدوينه ، وكابروا عليه واصبروا على شدته فإنكم تنالون به الدنيا والآخرة " .
ثم ركب البحر سنة 212هـ ، ونزل في مدينة ( فأزر ) من بلاد صقلية ، والتقى الجمعان ، فحمل المسلمون على أعدائهم حملة شعواء ، وهو على رأس النفيضة ، يحرض المؤمنين على القتال قولاً وفعلاً ، فدارت الدائرة على جيش الروم ، ودك حصونـًا واستولى عليها ، وحاصر ( سركوسة ) وفي أثناء الحصار أصيب بجروح بالغة سال منها الدم على اللواء الذي يحمله حتى فاضت روحه إلى ربها راضية مرضية .
وحين رأى الجنود استشهاد قائدهم استبسلوا مجاهدين الروم ، حتى أرغموهم على الهروب لا يلوون على شيء ، وكتب زيادة الله والي إفريقيا ، إلى الخليفة المأمون بأن الله تعالى أتم فتح صقلية على يد القاضي أسد بن الفرات .